فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ أَنَّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ التَّيَمُّمُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيَكُونُ كَتَارِكِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ يَتُوبَ وَيَسْتَبِيحَ التَّيَمُّمِ وَسَائِرَ الرُّخَصِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ سَفَرٍ مُبَاحٍ ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى مَعْصِيَةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَرَخَّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ السَّفَرَ انْعَقَدَ مُبَاحًا مُرَخَّصًا فَلَا يَتَغَيَّرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَرَخَّصُ مِنْ حِينِ نَوَى الْمَعْصِيَةَ لِأَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ يُنَافِي التَّرَخُّصَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَنْ سَافَرَ مُبَاحًا إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَوَى فِي طَرِيقِهِ إنْ لَقِيت فُلَانًا رَجَعْت فَهَلْ لَهُ اسْتِدَامَةُ التَّرَخُّصِ فِيهِ وَجْهَانِ أَمَّا إذَا أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ وَنَوَى سَفَرًا مُبَاحًا وَاسْتَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ ابْتِدَاءَ سَفَرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ إلَى مَقْصِدِهِ مَرْحَلَتَانِ تَرَخَّصَ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا
حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ طرءان سفر الطاعة كطرءان نِيَّةِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَيَكُونُ فِيهِ الْوَجْهَانِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَمَّا الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ وَهُوَ مَنْ خَرَجَ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ وَقَصْدٍ صَحِيحٍ ثُمَّ ارْتَكَبَ مَعَاصِيَ فِي طَرِيقِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ السَّفَرِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ
* (فَرْعٌ)
لَيْسَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ فَلَا يَسْتَبِيحُهُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ وَأَمَّا الْمُقِيمُ الْعَاصِي إذَا أَضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَيُبَاحُ لَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تُبَاحُ لَهُ حتى يتوب
*
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute