رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمَرَضِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ أَوْ دُونَهُ وَلِأَنَّ حَاجَةَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ آكَدُ مِنْ الْمَمْطُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَلَا مَرَضٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ الشَّاشِيِّ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ بِأَشْيَاءَ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ إلَّا بِصَرِيحٍ (وَمِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ أَمْرَاضًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ جَمْعُهُ بِالْمَرَضِ صَرِيحًا (وَمِنْهَا) أَنَّ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا وَمَنْزِلُهُ بَعِيدًا من الْمَسْجِدِ بُعْدًا كَثِيرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَكَذَا الْمَرِيضُ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ أَلْحَقْتُمْ الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ فِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ دُونَ الْجَمْعِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ أَنَّ تَارِكَ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي بَدَلَهَا الظُّهْرَ وَتَارِكَ الْجَمَاعَةِ
يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَيَأْتِي بِبَدَلٍ وَاَلَّذِي يَجْمَعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ بَابَ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بَلْ كُلُّ مَا لَحِقَ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَهُوَ عُذْرٌ وَالْوَحَلُ مِنْ هَذَا وَبَابُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَلَا يَجُوزُ بِكُلِّ شَاقٍّ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ لِمَنْ هُوَ قَيِّمٌ بِمَرِيضٍ وَشَبَهِهِ وَلَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ بِالْوَحَلِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ دُونَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَرْوَانَ
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ بِلَا خَوْفٍ ولا سفر وَلَا مَرَضٍ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ جَوَازَهُ بِلَا سَبَبٍ قَالَ وجوزه بن سِيرِينَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَا لَمْ يَتَّخِذْهُ عَادَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute