ثُمَّ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ وَرَجَّحَ إلْحَاقَهُ بِالْمَغْصُوبِ لِوُجُودِ الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ وَكَمَا لَوْ عَلَفَ مَاشِيَتَهُ بِعَلَفٍ مَوْهُوبٍ (قُلْتُ) وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا
لَا تَقْتَضِي الهبة ثوابا (فان قلنا) تقتضيه فنص الْعُشْرِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
إذَا اجْتَمَعَ فِي الشَّجَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الزَّرْعِ الْوَاحِدِ السَّقْيُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّوَاضِحِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَزْرَعَ عَازِمًا عَلَى السَّقْيِ بِهِمَا فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ نِصْفُ السَّقْيِ بِهَذَا وَنِصْفُهُ بِذَلِكَ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الطَّرِيقِينَ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ بِكَمَالِهِ عَلَى قَوْلِنَا فِيمَا إذَا تَفَاضَلَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ أَرْفَقُ لِلْمَسَاكِينِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمُخْتَصَرِ يُقَسَّطُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا
(وَالثَّانِي)
يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ.
فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّقْسِيطِ وَكَانَ ثُلُثَا السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالثُّلُثُ بِالنَّضْحِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَغْلَبِ فَزَادَ السَّقْيُ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَجَبَ الْعُشْرُ وَإِنْ زَادَ الْآخَرُ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يَجِبُ كُلُّ الْعُشْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَسَّطْنَا أَمْ اعْتَبَرْنَا الْأَغْلَبَ فَهَلْ النَّظَرُ إلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ أَمْ غَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِي كُتُبِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تختلف بعدد السقيات والمراد السقيات المقيدة (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَيْشِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ وَنَمَائِهِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِالنَّظَرِ إلَى النَّفْعِ قَالُوا وَقَدْ تَكُونُ سَقْيَةٌ أَنْفَعُ مِنْ سَقَيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْعِبَارَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثَّانِيَةِ لَا يَنْظُرُ إلَى الْمُدَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ النَّفْعُ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَصَاحِبُ الْعِبَارَةِ الْأُولَى يَعْتَبِرُ الْمُدَّةَ: قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاعْتِبَارُ الْمُدَّةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَذَكَرُوا فِي الْمِثَالِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَانَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسَقَى فِيهِمَا بِمَاءِ السَّمَاءِ وَاحْتَاجَ فِي الصَّيْفِ فِي الشَّهْرَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إلَى ثَلَاثِ
سَقَيَاتٍ فَسُقِينَ بِالنَّضْحِ.
فَإِنْ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقْيَاتِ فَعَلَى قَوْلِ التَّقْسِيطِ يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ