ثُمَّ إنَّ جَمِيعَ الْأَقْوَاتِ الْمُعَشَّرَةِ تُجْزِئُ فِي الجملة ولا يستثنى منها شئ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهُ لَا يجزئ العدس والحمص وإن كان قوتا لهم وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (وَأَمَّا) الْأَقِطُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا المصنف والاصحاب
(أحدهما)
وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَطْعُ بِإِجْزَائِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أو صاعا شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَالْأَقِطُ ثَابِتٌ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِلْحَدِيثِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ فَأَشْبَهَ اللَّحْمَ وَاللَّبَنَ وَبِهَذِهِ الطريقة قال القاضي أبو حامد المروروذى والصواب الاولى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إجْزَاءِ الْأَقِطِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالْحَضَرِ وقال الماوردى الخلاف في اهل البادية وأما أَهْلُ الْحَضَرِ فَلَا يُجْزِئُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ قُوتَهُمْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَرِيحٌ فِي إبْطَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَاَللَّهِ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ جَوَّزْنَا الْأَقِطَ فَهَلْ يُجْزِئُ الْجُبْنُ وَاللَّبَنُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَآخَرُونَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْجُبْنَ أَكْمَلَ مِنْهُ
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ
لَا يُجْزِئُهُ وصححه الماوردى لانه ليس معشر وَلَا يُدَّخَرُ وَإِنَّمَا جَازَ الْأَقِطُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مِمَّا يُدَّخَرُ وَالْخِلَافُ
مَخْصُوصٌ بِمَنْ قُوتُهُ الْأَقِطُ هَلْ لَهُ إخْرَاجُ اللَّبَنِ وَالْجُبْنِ هَكَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ إذَا جَوَّزْنَا الْجُبْنَ وَاللَّبَنَ جَازَ مَعَ وُجُودِ الْأَقِطِ وَمَعَ عَدَمِهِ وَقَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَقِطِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يُجْزِئُهُ الْأَقِطُ لَمْ يُجْزِئْهُ اللَّبَنُ وَالْجُبْنُ قَطْعًا وَأَمَّا المخيض والكشك والسمن والمصل فلا يجزئ شئ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى اللبن وكذا الجبن المنزوع الزبد وسواء كانت هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قُوتَهُ وَقُوتَ الْبَلَدِ أَمْ لَا لَا يُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَزَائِرِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَقْتَاتُونَ السَّمَكَ وَالْبَيْضَ فَلَا يُجْزِئُهُمْ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) اللَّحْمُ فَالصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فِي إجْزَائِهِ قَوْلَانِ كَالْأَقِطِ قال وكأنهم رَأَوْا اللَّبَنَ أَصْلَ الْأَقِطِ وَهُوَ عُصَارَةُ اللَّحْمِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ بَاطِلٌ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي كُتُبِهِمْ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِهِمْ مع كثرتها القطع بأنه لَا يُجْزِئَ بِلَا خِلَافٍ فَهَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute