لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ وَانْفَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ بِطَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا رَأَوْهُ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ فَثَلَاثَةُ أوجه (احدها) يلزم الذين لم يروا الان فَرْضَ رَمَضَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَقَدْ ثبت رمضان (والثاني) لا يلزمهم لِأَنَّ الطَّوَالِعَ وَالْغَوَارِبَ قَدْ تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَإِنَّمَا خُوطِبَ كُلُّ قَوْمٍ بِمَطْلَعِهِمْ وَمَغْرِبِهِمْ أَلَا تَرَى الْفَجْرَ قَدْ يَتَقَدَّمُ طُلُوعُهُ فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ قَدْ يَتَعَجَّلُ غُرُوبُهَا فِي بَلَدٍ وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ ثُمَّ كُلُّ بَلَدٍ يُعْتَبَرُ طُلُوعُ فَجْرِهِ وَغُرُوبُ شَمْسِهِ فِي حَقِّ أَهْلِهِ فَكَذَلِكَ الْهِلَالُ (الثَّالِثُ) إنْ كَانَا مِنْ إقْلِيمٍ لَزِمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إذَا رَآهُ أَهْلُ نَاحِيَةٍ دُونَ نَاحِيَةٍ فَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ لَزِمَهُمْ كُلَّهُمْ وَضَابِطُ الْقُرْبِ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ أَنَّهُ إذَا أَبْصَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ إلَّا لِعَارِضٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ غَيْرُهَا قَالَ فَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ (وَالثَّانِي) لَا يَلْزَمُهُمْ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَى وَلَا يَخْفَى عَلَى أُولَئِكَ بِلَا عَارِضٍ لَزِمَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ فلا
* فحصل في المسألة ست وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) يَلْزَمُ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ بِرُؤْيَتِهِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا
(وَالثَّانِي) يَلْزَمُ أَهْلَ إقْلِيمِ بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ دُونَ غَيْرِهِمْ
(وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ يُوَافِقُ بَلَدَ الرُّؤْيَا فِي الْمَطْلَعِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا أَصَحُّهَا
(وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدِ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ دُونَ غيرهم وهو فيما حكاه السرخسي
(والخامس) يلزم من دون مسافة القصر دون غيرهم
(والسادس) لَا يَلْزَمُ غَيْرَ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِيمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِمْ
* قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَ أَهْلِ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَعَنْ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّ وَالْكُوفِيِّ يَعْنِي مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ
* {فَرْعٌ} لَوْ شرع في الصوم في بلد ثُمَّ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ لَمْ يَرَوْا فِيهِ الْهِلَالَ حِينَ رَآهُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ فَاسْتَكْمَلَ ثَلَاثِينَ مِنْ حِينِ صَامَ (فَإِنْ قُلْنَا) لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْهُمْ
(وَالثَّانِي) يُفْطِرُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حُكْمَ الْأَوَّلِ (وَإِنْ قُلْنَا) تَعُمُّ الروية كُلَّ الْبِلَادِ لَزِمَ أَهْلَ الْبَلَدِ الثَّانِي مُوَافَقَتُهُ فِي الْفِطْرِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ لَزِمَهُ هُوَ الْفِطْرُ كَمَا لَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ ويفطر سرا ولو سافر من بلد لم يروا فيه إلي بلد رؤى فِيهِ فَعَيَّدُوا الْيَوْمَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِ فإن عممنا الحكم أو قلنا