للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقُرْبِ مِنْ الشَّيْخِ لِيَفْهَمَ كَلَامَهُ فَهْمًا كَامِلًا بِلَا مَشَقَّةٍ وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى أَفْضَلَ مِنْهُ: وَيَتَأَدَّبَ مَعَ رُفْقَتِهِ وَحَاضِرِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّ تَأَدُّبَهُ مَعَهُمْ تَأَدُّبٌ مَعَ الشَّيْخِ وَاحْتِرَامٌ لِمَجْلِسِهِ: وَيَقْعُدَ قَعْدَةَ الْمُتَعَلِّمِينَ لَا قَعْدَةَ الْمُعَلِّمِينَ: وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا بَلِيغًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا يَضْحَكَ وَلَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ بِلَا حَاجَةٍ: وَلَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ وَلَا غَيْرِهَا: وَلَا يَلْتَفِتَ بِلَا حَاجَةٍ بَلْ يُقْبِلُ عَلَى الشَّيْخِ مُصْغِيًا إلَيْهِ وَلَا يَسْبِقَهُ إلَى شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أَوْ جَوَابِ سُؤَال إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِ الشَّيْخِ إيثَارَ ذَلِكَ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى فَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّمِ وَلَا يَقْرَأَ عليه شغل قلب الشيخ وملله وغمه ونعاسه واستيفازه وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَوْ يَمْنَعُهُ استيفاء الشرح ولا يسئله عن شئ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَكْرَهُهُ وَلَا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ إلْحَاحًا مُضْجِرًا.

وَيَغْتَنِمَ سُؤَالَهُ عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهِ وَفَرَاغِهِ.

وَيَتَلَطَّفَ فِي سُؤَالِهِ.

وَيُحْسِنَ خِطَابَهُ وَلَا يَسْتَحِي مِنْ السُّؤَالِ عَمَّا أُشْكِلَ عَلَيْهِ بَلْ يَسْتَوْضِحُهُ أَكْمَلَ اسْتِيضَاحٍ فَمَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ وَمَنْ رَقَّ وَجْهُهُ عِنْدَ السُّؤَالِ ظَهَرَ نَقْصُهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ.

وَإِذَا قَالَ له الشيح أَفَهِمْتَ فَلَا يَقُلْ نَعَمْ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ الْمَقْصُودُ إيضَاحًا جَلِيًّا لِئَلَّا يَكْذِبَ وَيَفُوتَهُ الْفَهْمُ: وَلَا يَسْتَحِي مِنْ قَوْلِهِ لَمْ أَفْهَمْ لِأَنَّ اسْتِثْبَاتَهُ (١) يُحَصِّلُ لَهُ مَصَالِحَ عَاجِلَةً وَآجِلَةً: فَمِنْ الْعَاجِلَةِ حِفْظُهُ الْمَسْأَلَةَ وَسَلَامَتُهُ مِنْ كَذِبٍ وَنِفَاقٍ بِإِظْهَارِهِ فَهْمَ مَا لَمْ يَكُنْ فَهِمَهُ

* وَمِنْهَا اعْتِقَادُ الشَّيْخِ اعْتِنَاءَهُ وَرَغْبَتَهُ وَكَمَالَ عَقْلِهِ وَوَرَعَهُ وَمِلْكَهُ لِنَفْسِهِ وَعَدَمَ نِفَاقِهِ: وَمِنْ الْآجِلَةِ ثُبُوتُ الصَّوَابِ فِي قَلْبِهِ دَائِمًا وَاعْتِيَادُهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْمُرْضِيَةَ وَالْأَخْلَاقَ الرَّضِيَّةَ.

وَعَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْزِلَةُ الْجَهْلِ بَيْنَ الْحَيَاءِ وَالْأَنَفَةِ: وَيَنْبَغِي إذَا سَمِعَ الشَّيْخَ يَقُولُ مَسْأَلَةً أَوْ يَحْكِي حِكَايَةً وَهُوَ يَحْفَظُهَا أَنْ يُصْغِيَ لَهَا إصْغَاءَ

مَنْ لَمْ يَحْفَظْهَا إلَّا إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ الشَّيْخِ إيثَارَهُ عِلْمَهِ بِأَنَّ الْمُتَعَلِّمَ حافظها: وينبغي أن يكون حريصا على التعليم مُوَاظِبًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا حضرا وسفرا وَلَا يُذْهِبُ مِنْ أَوْقَاتِهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ قَدْرًا لا بد منه ونحوهما كاستراحة يسيرة لا زالة الْمَلَلِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ وَلَيْسَ بِعَاقِلٍ مَنْ أَمْكَنَهُ دَرَجَةُ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ فَوَّتَهَا.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِسَالَتِهِ حَقٌّ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جُهْدِهِمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ وَالصَّبْرُ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي إدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَوْنِ عَلَيْهِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ ذَكَرَهُ فِي أَوَائِلِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ.

قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَجْوَدُ أَوْقَاتِ الْحِفْظِ الْأَسْحَارُ ثُمَّ نِصْفُ النَّهَارِ ثُمَّ الْغَدَاةُ وَحِفْظُ اللَّيْلِ أَنْفَعُ مِنْ حِفْظِ النَّهَارِ وَوَقْتُ الْجُوعِ أَنْفَعُ مِنْ وَقْتِ الشِّبَعِ: قَالَ وَأَجْوَدُ أَمَاكِنِ الْحِفْظِ الْغُرَفُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ بَعُدَ عن الملهيات قال وَلَيْسَ بِمَحْمُودٍ الْحِفْظُ بِحَضْرَةِ النَّبَاتِ وَالْخُضْرَةِ وَالْأَنْهَارِ: وَقَوَارِعِ الطُّرُقِ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ غَالِبًا خُلُوَّ الْقَلْبِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصْبِرَ عَلَى جَفْوَةِ شَيْخِهِ وَسُوءِ خُلُقِهِ وَلَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ مُلَازَمَتِهِ وَاعْتِقَادِ كماله ويتأول لا فعاله الَّتِي ظَاهِرُهَا الْفَسَادُ تَأْوِيلَاتٍ صَحِيحَةً فَمَا يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ التَّوْفِيقِ: وَإِذَا جَفَاهُ الشَّيْخُ ابْتَدَأَ هُوَ بِالِاعْتِذَارِ وَأَظْهَرَ أَنَّ الذَّنْبَ لَهُ وَالْعَتْبَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ دِينًا وَدُنْيَا وَأَبْقَى لِقَلْبِ شَيْخِهِ: وَقَدْ قَالُوا مَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى ذُلِّ التَّعَلُّمِ بَقِيَ عُمُرَهُ في


(١) هكذا في نسخة: وفي نسخة بدل استثبات: استيثاق:

<<  <  ج: ص:  >  >>