الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْأَحْجَارِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالُوا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ فَكَذَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ إنَّ أَصْحَابَنَا رَوَوْهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُهُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ لِأَنَّ الاسنتجاء بالحجر كان معلوما عندهم يغعله جَمِيعُهُمْ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَهُوَ الَّذِي انْفَرَدُوا بِهِ فَلِهَذَا ذُكِرَ وَلَمْ يُذْكَرْ الْحَجَرُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ وَلِكَوْنِهِ مَعْلُومًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ فَضْلِهِمْ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عليهم بسببه ويويد هذا قولهم إذا اخرج أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِنْجَاءَهُمْ بِالْمَاءِ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَلَاءِ إلَّا بَعْدَ التَّمَسُّحِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ: وَهَكَذَا الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ فِي مَوْضِعِ
قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَيُؤَخِّرَ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقُبَاءُ بِضَمِّ الْقَافِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَفِيهِ لغات الْمَدُّ وَالْقَصْرُ قَالَ الْخَلِيلُ مَقْصُورٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مَمْدُودٌ وَيَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا الصَّرْفُ وَتَرْكُهُ وَالْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ مَدُّهُ وَتَذْكِيرُهُ وَصَرْفُهُ وَهُوَ قَرْيَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ أَصْلُهُ اسْمُ بِئْرٍ هُنَاكَ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى الْمَاءِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَحْجَارِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَسْتَعْمِلُ الْأَحْجَارَ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فَتَقْدِيمُ الْأَحْجَارِ لِتَقِلَّ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ لِيُطَهِّرَ الْمَحَلَّ طَهَارَةً كَامِلَةً فَلَوْ اسْتَنْجَى أَوَّلًا بِالْمَاءِ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْأَحْجَارَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ: صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحِلَّ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ وَلَا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَحُذَيْفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute