نَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَجَازَ عُبُورُهُ كَالْمُحْدِثِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْمُكْثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَعَطِيَّةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا شِيعِيَّانِ مُتَّهَمَانِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَضْعِيفِ سَالِمٍ وَغُلُوِّهِ فِي التَّشَيُّعِ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ بَعْضُ مَا ذَكَرنَا لاسيما وَقَدْ اسْتَغْرَبَهُ الْبُخَارِيُّ إمَامُ الْفَنِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إبَاحَةُ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَقَدْ ذكر أبو العباس ابن الْقَاصِّ هَذَا فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: وأما قياسهم على الدر الْمَغْصُوبَةِ فَمُنْتَقَضٌ بِمَوَاضِعِ الْخُمُورِ وَالْمَلَاهِي وَالطُّرُقِ الضَّيِّقَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ عُبُورُهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَارِيَةً أَوْ مُتَعَرِّضَةً لِلْجَرَيَانِ وَهَذَا يُمْنَعُ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ تَلْوِيثِهِ وَالْجُنُبُ بِخِلَافِهِ فَنَظِيرُ الْجُنُبِ مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَلَهُ الْعُبُورُ وَبِهَذَا يجاب عن قياسم عَلَى الْحَائِضِ إنْ حَرَّمْنَا عُبُورَهَا وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ عُبُورِهَا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* [فَصْلٌ] يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَأَذْكَارِهِمْ وَمَوَاضِعِ الْقِرَاءَةِ وَأَحْوَالِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ لِطَالِبِ الْآخِرَةِ مَعْرِفَتُهَا وَقَدْ جَمَعْت فِي هَذَا كِتَابًا لَطِيفًا وَهُوَ (التِّبْيَانُ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ) وَأَنَا أُشِيرُ هُنَا إلَى جُمَلٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ مَسَائِلُ: (إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ شئ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى بَعْضِ آيَةٍ وَلَوْ كَانَ يُكَرِّرُ فِي كِتَابِ فِقْهٍ أَوْ غَيْرِهِ فِيهِ احْتِجَاجٌ بِآيَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقُرْآنَ لِلِاحْتِجَاجِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ جاز وكذا ما أشبههه وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ
فِي مَعْنَاهُ أَنْ تَقُولَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون) إذَا لَمْ تَقْصِدْ الْقُرْآنَ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجُوزُ عِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَنْ يَقُولَ (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute