جَدُّ أَبِي الْقَاسِمِ التَّنُوخِيِّ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا التَّنُوخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي ـ وَلِي إِذْ ذَاكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ـ يُنْشِدُ بَعْضَ قَصِيدَةِ دِعْبِلٍ الطَّوِيلَةِ الَّتِي يَفْخَرُ فِيهَا بِالْيَمَنِ وَيُعَدِّدُ مَنَاقِبَهُمْ وَيَرُدُّ عَلَى الْكُمَيْتِ فِيهَا فَخْرَهُ بِنِزَارٍ، وَأَوَّلُهَا:
أَفِيقِي مِنْ مَلامِكِ يَا ظَغِينَا ... كَفَاكِ اللَّوْمُ مَرَّ الأَرْبَعِينَا
: وَهِيَ نَحْوُ سِتِّ مِائَةِ بَيْتٍ، فَاشْتَهَيْتُ حِفْظَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَفَاخِرِ الْيَمَنِ أَهْلِي، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، ادْفَعْهَا إِلَيَّ حَتَّى أَحْفَظَهَا، فَدَافَعَنِي، فَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: كَأَنِّي بِكَ تَأْخُذُهَا، فَتَحْفَظُ مِنْهَا خَمْسِينَ بَيْتًا، أَوْ مِائَةَ بَيْتٍ، وَتَرْمِي بِالْكِتَابِ، فَقُلْتُ: ادْفَعْهَا إِلَيَّ، فَأَخْرَجَهَا وَسَلَّمَهَا إِلَيَّ، فَدَخَلْتُ حُجْرَةً كَانَتْ بِرَسْمِي مِنْ دَارِهِ، وَخَلَوْتُ فِيهَا وَلَمْ أَتَشَاغَلْ يَوْمِي وَلَيْلَتِي بِشَيْءٍ عَنْ حِفْظِهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ، كُنْتُ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ جَمِيعِهَا وَأَتْقَنْتُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ غُدْوَةً عَلَى رَسْمِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: هيه! كَمْ حَفِظْتَ مِنْ قَصِيدَةِ دِعْبِلٍ؟ فَقُلْتُ: قَدْ حَفِظْتُهَا بِأَسْرِهَا، فَغَضِبَ وَقَدْ رَآنِي قَدْ كَذَّبْتُهُ، فَقَالَ هَاتَهَا، فَأَخْرَجْتُ الدِّفْتَرَ مِنْ كُمِّي، فَفَتَحَهُ، وَنَظَرَ فِيهِ، وَأَنَا أُنْشِدُ، إِلَى أَنْ مَضَيْتُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ بَيْتٍ، فَصَفَحَ مِنْهَا عِدَّةَ أَوْرَاقٍ، وَقَالَ: أَنْشِدْ مِنْ هَاهُنَا، فَأَنْشَدْتُهُ إِلَى آخِرِهَا، فَهَالَهُ مَا رَآهُ مِنْ حُسْنِ حِفْظِي فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَقَبَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute