قلت: أشار عثمان رضي الله عنه إلى أول نزوله، ثم إن الله تعالى سهله على الناس، فجوز لهم أن يقرءوه على لغاتهم على ما سبق تقريره؛ لأن الكل لغات العرب، فلم يخرج عن كونه بلسان عربي مبين.
وأما من أراد من غير العرب حفظه فالمختار له أن يقرأه على لسان قريش، وهذا إن شاء الله تعالى هو الذي كتب فيه عمر إلى ابن مسعود رضي الله عنهما:"أقرئ الناس بلغة قريش"؛ لأن جميع لغات العرب بالنسبة إلى غير العربي مستوية في التعسر عليه، فإذًا لا بد من واحدة منها، فلغة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى له، وإن أقرى بغيرها من لغات العرب، فجائز فيما لم يخالف خط المصحف، وأما العربي المجبول على لغة فلا يكلف لغة قريش لتعسرها عليه، وقد أباح الله تعالى القراءة على لغته، والله أعلم.
ثم قال ابن عبد البر:
"وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، صار في عجز هوازن منها خمسة"(١) .
"قال أبو حاتم: عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر بن معاوية: قال أبو حاتم: خص هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب، [٣٨ ظ] لقرب جوارهم من مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان، قال: وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش، ثم أدناهم من بطون مضر".
"قال أبو عمر: وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أنزل القرآن على سبعة أحرف" سبع لغات، وقالوا:
(١) سبق ذكر هذه الرواية في ص٩٢-٩٣، وانظر ص١٣٠ أيضا.