للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال البيهقي في كتاب "المدخل": واعلم أن القرآن كان مجموعا كله في صدور الرجال أيام حياة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومؤلفا هذا التأليف الذي نشاهده ونقرؤه إلا "سورة براءة"، فإنها كانت من آخر ما نزل من [٢٠ ظ] القرآن، ولم يبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه موضعها من التأليف حتى خرج من الدنيا، فقرنها الصحابة رضي الله عنهم بـ"الأنفال". وبيان ذلك في حديث ابن عباس قال: قلت لعثمان رضي الله عنه: ما حملكم على أن عمدتم إلا "براءة" وهي من المئين، وإلى "الأنفال" وهي من المثاني، فقرنتم بينهما، ولم تجعلوا بينهما سطرًا فيه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال: كانت "الأنفال" من أول ما نزل عليه بالمدينة، وكانت "براءة" من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها تشبه قصتها، فقبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يبين أمرها، فظننت أنها منها (١) .

قال البيهقي: وفيما رويناه من الأحاديث المشهورة في ذكر من جمع القرآن من الصحابة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ما روينا عن زيد بن ثابت: كنا حول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نؤلف القرآن، ثم ما رويناه في كتاب السنن (٢) أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في صدور الرجال، مكتوبا في الرقاع واللخاف والعسب، وأمر أبو بكر الصديق حين استحر (٣) القتل بقراء القرآن يوم اليمامة بجمعه من مواضعه في


(١) وذكر أيضا في السنن الكبرى ٢/ ٤٢، ورواه أبو داود في سننه ١/ ٢٩٠.
(٢) انظر السنن الكبرى ٢/ ٤١ وما بعدها.
(٣) استحر: اشتد.