صحف، ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف في القراءة بتحويله منها إلى مصاحف مع بذل المجهود في معارضة ما كان في الصحف [٢١ و] بما كان مثبتا في صدور الرجال، وذلك كله بمشورة من حضره من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وارتضاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وحمد أثره فيه. والله يغفر لنا ولكم.
قال: ويشبه أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما لم يجمعه في مصحف واحد، لما كان يعلم من جواز ورود النسخ على أحكامه، ورسومه، فلما ختم الله دينه بوفاة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانقطع الوحي، قيض لخلفائه الراشدين عند الحاجة إليه جمعه بين الدفتين.
قال: وقد أشار الشيخ أبو سليمان الخطابي (١) رحمه الله تعالى إلى جملة ما ذكرناه، وذكره أيضا غيره من أئمتنا، والأخبار الثابتة المشهورة ناطقة بجميع ذلك.
قلت: وفي كتاب "الانتصار" أخبار في جمع القرآن، فيها زيادات على ما تقدم، فنذكر منها ما يشتمل على فوائد تعرفنا الأمر كيف وقع، وتشرح لنا بعض ما تقدم.
فمنها: قال زيد: فقلت يا خليفة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لو اجتمعت أنا وعمر جميعا، فقال أبو بكر لعمر، فقال عمر: نعم، فانطلق بنا فخرجنا، حتى جلسنا على باب المسجد الذي يلي موضع الجنائز
(١) هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي، أبو سليمان، فقيه، محدث، أديب، له تصانيف، منها "معالم السنن" في شرح سنن أبي داود، توفي سنة ٣٨٨هـ "إنباه الرواة ١/ ١٢٥، وفيات الأعيان ١/ ٢٠٨، تذكرة الحفاظ ٣/ ٢٠٩، بغية الوعاة ص٢٣".