ذكرى ذلك اليوم الحزين عالقة في نفوسهم، وكان ابن إسحاق واحدًا منهم، شاركهم في مشاعرهم تلك وليس هذا غريبًا.
لقد أطلت في توضيح صلة أهل المدينة -بصفة عامة- ببني أمية ومحمد بن إسحاق بصفة خاصة؛ لأن العلاقات السياسية كانت ذات تأثير على معظم أوجه الحياة، ورضا رجال السياسة عن العلماء كان يعطيهم فرصة أكبر في حرية الحركة والتجوال في البلاد وزيارة المراكز العلمية..
وتصديقًا لذلك ما إن سقطت دولة بني أمية سنة ١٣٢هـ وقامت دولة بني العباس حتى رأينا ابن إسحاق يشد رحاله مغادرًا المدينة -التي لم يكد يبرحها قرابة نصف قرن- إلى العراق ويتجول في أرجائها من الكوفة إلى الجزيرة، وأخيرًا يلقى عصا تسياره في المدينة المدورة أو مدينة السلام أو مدينة المنصور -بغداد- تلك المدينة التي أخذت -منذ نشأتها سنة ١٤٥هـ- تخلب الألباب وتخطف الأبصار فهي مقام الخلافة، وحاضرة الإسلام، ومركز الأضواء والشهرة، ومقر العلماء والشعراء والأدباء، فليس غريبًا أن يطيب المقام لابن إسحاق في مدينة لها كل تلك المميزات.
وقد اتصل ابن إسحاق -لعلمه وشهرته- بقمة الدولة ورأس الهرم الاجتماعي، الخليفة الذائع الصيت، ومؤسس بغداد، بل