للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يتبين عدم الترداف التام بين اللفظين، وأن الإيمان ليس التصديق فقط١ كما أن الكفر ليس التكذيب فقط.

ثانيا: من المعلوم أن كلام الله وشرعه إنما هو خبر وأمر.

فالخبر: يستوجب تصديق الخبر.

والأمر يستوجب الانقياد له والاستسلام، وهو عمل في القلب، جماعه: الخضوع والانقياد للأمر، وإن لم يفعل المأمور به.

فإذا قوبل الخبر بالتصديق، والأمر بالانقياد، فقد حصل أصل الإيمان في القلب وهو "الطمأنينة والإقرار" فإن اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنما يحصل إذا استقر في القلب التصديق والانقياد. فلو فُسِّر الإيمان بالتصديق فقط، كما قال أهل اللغة، فإن التصديق إنما يعرض للجزء الأول من الشرع فقط الذي هو الخبر، ولا يعرض للجزء الثاني وهو الأمر، لأن الأمر ليس فيه تصديق من حيث هو أمر.

ومن المعلوم أن إبليس لم يكفر بسبب عدم تصديقه، فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولا، ولكن لم ينقد للأمر ولم يخضع له، واستكبر عن الطاعة فصار كافرا، قال تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} ٢ فسماه الله كافرا وسلب عنه وصف الإيمان لاستكباره وعدم انقياده لأمرالله له بالسجود لآدم.

لازم القول بأن الإيمان مجرد التصديق فقط.

وهذا موضع زاغ فيه خلق من الخلف تخيل لهم أن الإيمان ليس في الأصل


١ انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص٣٨٠ - ٣٨١) .
٢ الآية (٤) من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>