للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا التصديق، ثم يرون مثل إبليس وفرعون مما لم يصدر عنه تكذيب أو صدر عنه تكذيب باللسان لا بالقلب وكفره من أغلظ الكفر فيتحيرون.

ومثل هؤلاء القوم لو أنهم هُدوا لما هُدي إليه السلف الصالح لعلموا أن الإيمان قول وعمل أعني في الأصل قولا في القلب، وعملا في القلب، فإن الإيمان بحسب كلام الله ورسالته- وكلام الله ورسالته يتضمن أخباره وأوامره- فيصدق القلب أخباره تصديقا يوجب حالا في القلب بحسب المصدق به، والتصديق هو من نوع العلم والقول، وينقاد لأمره ويستسلم، وهذا الانقياد والاستسلام هو من نوع الإرادة والعمل، ولا يكون مؤمنا إلا بمجموع الأمرين فمتى ترك الانقياد كان مستكبرا فصار من الكافرين وإن كان مصدقا، لأن الكفر أعم من التكذيب، فالكفر يكون تكذيبا وجهلا، ويكون استكبارا وظلما، ولهذا لم يوصف إبليس إلا بالكفر والاستكبار دون التكذيب، ولهذا كان كفر من يعلم مثل اليهود ونحوهم من جنس كفر إبليس، وكان كفر من يجهل مثل النصارى ونحوهم ضلالا وهو "الجهل" ألا ترى أن نفرا من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن أشياء، فأخبرهم، فقالوا: نشهد أنك نبي، ولم يتبعوه، وكذلك هرقل وغيره، فلم ينفعهم هذا العلم وهذا التصديق.

ألا ترى أن من صدق الرسول بأن ما جاء به هو رسالة الله، وقد تضمنت خبزا وأمرا، فإنه يحتاج إلى مقام ثان، وهو تصديق خبر الله وانقياده لأمر الله، فإذا قال: "أشهد أن لا إله إلا الله" فهذه الشهادة تتضمن تصديق خبره والانقياد لأمره. "وأشهد أن محمدا رسول الله" تضمنت تصديق الرسول فيما جاء به من عند الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>