فالحب يوجب حركة النفس وشدة طلبها، والنفس خلقت متحركة بالطبع كحركة النار، فالحب حركتها الطبيعية، فكل من أجل شيئا من الأشياء وجد في حبه لذة وروحا، فإذا خلا عن الحب مطلقا تعطلت النفس عن حركتها وثقلت وكسلت وفارقها خفة النشاط، ولهذا تجد الكسالى أكثر الناس هما وغما وحزنا، ليس لهم فرح ولا سرور، بخلاف أرباب النشاط والجد في العمل أي عمل كان، فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن عواقبه وحلاوة غايته كان التذاذهم بحبه ونشاطهم فيه أقوى.
وإنه ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده وقرة العين به، والأنس بقربه، والشوق إلى لقائه ورؤيته، وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من إيمان بالله ورسوله يخلص من الخلود في دار الآلام فكيف بالإيمان الذي يمنع من دخولها١.
ولهذا كان أعظم صلاح العبد أن يصرف قوى حبه كلها لله تعالى وحده بحيث يحب الله بكل قلبه وروحه وجوارحه فليس لقلب العبد صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله، فلا يحب إلا لله.
كما في الحديث الصحيح: "ثلاث من كن فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن