للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله بوحي متلو أو بوحي غير متلو {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لما تقدمونه بين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، أو تأتونه اقتداء به واتباعا له، عليم بما يكون منكم من إجلاله أو خلاف ذلك فهو يجزيكم بما سمعه ويعلمه منكم"١.

ولقد تأدب الصحابة مع ربهم ومع رسولهم، فما عاد بعد نزول هذه الآية مقترح منهم يقترح على الله ورسوله، وما عاد واحد منهم يدلي برأي لم يطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدلي به، وما عاد أحد يقضي برأيه في أمر أو حكم إلا أن يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم.

حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه والمكان الذي هم فيه وهم يعلمونه حق العلم، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم. خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله. ومن ذلك ما جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم- سأل في حجة الوداع " أي شهر هذا؟ ".. قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس ذو الحجة؟ " قلنا: بلى. قال: "فأي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير أسمه، قال: "أليس البلدة؟ " قلنا بلى. قال "فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟ " قلنا بلى ... " الحديث٢.

فهذه صورة من الأدب، ومن التحرج، ومن التقوى التي انتهى إليها


١ المنهاج في شعب الإيمان (٢/ ١٢٧)
٢ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حجة الوداع واللفظ له. انظر فتح الباري (٨/ ١٠٨) ح ٤٤٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>