لايدعه استعظامه أن يألو عملا بما يحدوه عليه، وارتداعا بما يصده عنه، وانتهاء إلى كل خير.
والمراد بقوله:{لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ} أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم، وجهره باهرا لجهركم، حتى تكون ميزته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق غير خاف، لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتبهروا منطقه بصخبكم.
وبقوله {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} أنكم إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليهم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول البين المقرب من الهمس الذي لا يضاهي الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم، عاملين بقوله عز شأنه {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} وليس الغرض من رفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأن ذلك كفر، والمخاطبون مؤمنون وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء، ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه، ورده إلى حد يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير.
ولم يتناول النهي أيضا رفع الصوت الذي لا يتأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان منهم في حرب، أو مجادلة معاند، أو إرهاب عدو أو ما أشبهه، فلم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مقيد بصفة أعلى الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم، وهو الخلو عن مراعاة أبهة النبوة، وجلالة مقدارها، وانحطاط