للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان أكثر السلف لا يفرقون بين الغرباء وأهل المدينة ولا بين حال السفر وغيره فإن استحباب هذا لهؤلاء وكراهته لهؤلاء حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي ولا يمكن لأحد أن ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع لأهل المدينة الإتيان عند الوداع للقبر وشرع لهم ولغيرهم ذلك عند القدوم من سفر، وشرع للغرباء تكرر ذلك كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولم يشرع ذالك لأهل المدينة، فمثل هذه الشريعة ليس منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه ولا هو معروف من عمل الصحابة وإنما نقل عن ابن عمر السلام عند القدوم من السفر، وليس هذا من عمل الخلفاء وأكابر الصحابة، كما كان ابن عمر يتحرى الصلاة والنزول والمرور حيث حل ونزل وعبر النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، وجمهورالصحابة لم يكونوا يصنعون ذلك بل أبوه عمر كان ينهي عن مثل ذلك فعن المعرور بن سويد عن عمر قال: خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في صلاة الفجر ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، ولإيلاف قريش في الثانية، فلما رجع من حجه رأى الناس ابتدروا المسجد فقال: "ما هذا؟ فقالوا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وهذا ملة أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل ومن لم تعرض له فليمض"١٢. ومن استدل بهذا الحديث من العلماء ذكر أنه ود على القريب وخصوا الجواز للمسافر القادم أو المقيم المسافر.

وليس في الحديث ما يدل على التخصيص، ذلك أنه يمتنع أن يقال إنه يرد على هؤلاء ولا يرد على أحد من أهل المدينة المقيمين فيها، فيمتنع أن يكون


١ عزاه شيخ الإسلام إلى سنن سعيد بن منصور. انظر: الرد على الأخنائي (ص١٦٩،١٧٠)
٢ الرد على الأخنائي (ص ١٦٩، ١٧٠) بتصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>