وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"١.
فإن قال هؤلاء الذين قاسوا زيارة قبره على زيارة سائر القبور: إن الناس منعوا من الوصول إليه تعظيما لقدره، وجعل سلامهم وخطابهم له من الحجرة لأن ذلك أبلغ في الأدب والتعظيم.
قيل: فهذا يوجب الفرق فإن الزيارة المشروعة إن كان مقصودها الدعاء له فكون ذلك قريبا من الحجرة أفضل منه في سائر المساجد والبقاع، فالذي يدعو له من داخل الحجرة أقرب، وإن كان القرب مستحبا فكلما كان أقرب كان أفضل كسائر القبور.
وإن كان مقصودها أي الزيارة- ما يقوله أهل الشرك والضلال من فى عائه ودعاؤه من القرب أولى، فينبغي أن يكون من داخل الحجرة أولى.
ولما ثبت بالنص والإجماع أن هذا القرب من القبر ممنوع منه، وهو أيضا غير مقدور عليه، علم أن القرب من ذلك ليس بمستحب. بخلاف زيارة قبر غيره والصلاة على قبره- أي قبر ذلك الغير- فإن القرب منه مستحب إذا لم يفض إلى مفسدة من شرك أو بدعة أو نياحة فإن أفضى إلى ذلك منع من ذلك. ومما يوضح هذا: أن الشخص الذي يقصد أتباعه زيارة قبره يجعلون قبره بحيث يمكن زيارته فيكون له باب يدخل منه إلى القبر ويجعل عند القبر مكان للزائر إذا دخل بحيث يتمكن من القعود فيه بل يوسع المكان ليسع الزائرين.
١ أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} فتح الباري (٦/ ٤٧٨) ح ٣٤٤٥.