للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل مدار دينه على هذا الأصل-أي تجريد التوحيد- الذي هو قطب رحا النجاة، ولم يقرر أحد ما قرره صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وسد الذرائع المنافية له، فتعظيمه صلى الله عليه وسلم بموافقته على ذلك لا مناقضته فيه١.

والغلو بشتى صوره وأشكاله مناف لأصلي التوحيد ويكفيك أن تعلم أن سبب عبادة الأصنام هو الغلو في المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته، حتى جعل فيه حظ من الإلهية، وشبهوه بالله سبحانه، وهذا هو التشبيه الواقع في الأم الذي أبطه الله سبحانه، وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله. فهو سبحانه ينفي، وينهي، أن يجعل غيره مثلا له، وندا له وشبها له. لا أن يشبه هو بغيره إذ ليس في الأمم المعروفة أمة جعلته سبحانه مثلا لشيء من مخلوقاته، فجعلت المخلوق أصلا وشبهت به الخالق، فهذا لا يعرف في طائفة من طوائف بني آدم.

وإنما الأول هو المعروف في طوائف أهل الشرك، غلوا فيمن يعظمونه، ويحبونه، حتى شبهوه بالخالق وأعطوه خصائص الإلهية، بل صرحوا أنه إله، وأنكروا جعل الألهة إلها واحدا وقالوا: {وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} وصرحوا بأنه إله معبود، يرجى، ويخاف، ويعظم، ويسجد له ويحلف باسمه، وتقرب له القرابين إلى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى. فكل مشرك فهو مشبه لإلهه ومعبوده بالله سبحانه، وإن لم يشبه من كل وجه٢.

فحقيقة الشرك هو التشبه بالخالق أو التشبيه للمخلوق به فالمشرك مشبه


١ تيسير العزيز الحميد ص ٢٧٤.
٢ إغاثة اللهفان (٢/ ٢٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>