فعلى هذا: إن كان العامل ذميا نظرت، فَإِنْ كَانَ فِي زَكَاةٍ عَامَّةٍ لَمْ يَجُزْ، لأن فيها ولاية ولا يصح ثبوتها مع الكفر، وإن كان في زكاة خاصة نظرت. فَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ قَدْ عَرَفَ مَبْلَغَ أصله وقدر زكاته، جاز أن يكون المأمور بقبضه ذميا، لأنه تجرد عن حُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَتَخَصَّصَ بِأَحْكَامِ الرِّسَالَةِ.
وَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ لَمْ يَعْرِفْ مَبْلَغَهُ، وَلَا قَدْرَ زكاته لم يجز أن يكون المأمور ذميا، لأنه يحتاج إلى عد مال لا يقبل فيه خبره. فإذا تَأَخَّرَ عَامِلُ الصَّدَقَاتِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاتِهِمْ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُرُودِ عَمَلِهِ وتشاغله بغيرهم أنظروه لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا مِنْ طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ. وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَتَجَاوَزَ الْعُرْفَ فِي وَقْتِ زَكَاتِهِمْ أَخْرَجُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ، لأن الأمر بدفعها إليه معلق بطلبها، وَسَاقِطٌ مَعَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ. وَجَازَ لِمَنْ يَتَوَلَّى إخْرَاجَهَا مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا على اجتهاد نفسه إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ اسْتَفْتَى مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يأخذ بقوله ولا يلزمه أن يستفتى فقيهين. فإن استفتى فقيهين فأفتاه أحدهما بوجوبها وَأَفْتَاهُ الْآخَرُ بِإِسْقَاطِهَا. أَوْ أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِقَدْرٍ، وأفتاه الآخر بأكثر منه احتمل وجهين: أحدهما: أن يأخذ بأغلظ القولين بناء على قوله: إن أرباب الأموال يقومون السلع بما فيه الحظ، ولا يعتبر الثمن الذي اشتريت به. والثاني: يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ منهما بناء على قوله فيمن سأله عن طلاق فأرشده إلى أصحاب مالك طلبا للرخصة. وقال في موضع آخر " لا تحمل الناس على مذهبك". وإذا حَضَرَ الْعَامِلُ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ، أَوْ اجْتِهَادِ مَنْ اسْتَفْتَاهُ وَكَانَ اجْتِهَادُ الْعَامِلِ مُؤَدِّيًا إلَى إيجَابِ مَا أسقط أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ كَانَ اجْتِهَادُ الْعَامِلِ أَمْضَى، إنْ كَانَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَاقِيًا، وَاجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ أَنْفَذَ، إنْ كَانَ وَقْتُ الإمكان فانيا. وَلَوْ أَخَذَ الْعَامِلُ الزَّكَاةَ بِاجْتِهَادِهِ، وَعَمِلَ فِي وجوبها وإسقاطها عَلَى رَأْيِهِ، وَأَدَّى اجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ إلَى إيجَابِ مَا أَسْقَطَهُ، أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخَذَهُ لَزِمَ رَبُّ الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إخْرَاجُ مَا أَسْقَطَهُ مِنْ أَصْلٍ أو تركه من زيادة، لأنه معترف بوجوب ما عليه لأهل السهمان. وقد قال أحمد في رواية حرب " إذا لم يأخذ السلطان منه تمام العشر يخرج تمام العشر، يتصدق به".
وَالْمَالُ الثَّانِي: مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ ثِمَارُ النَّخْلِ والكرم وما في معناها مما يكال ويدخر، كاللوز، والفستق، والبندق. ولا تجب في غير ذلك في جميع الفواكه والثمار زكاة.