للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاختلاف عن عمر يدل على اعتبار الطاقة، كذلك يجب أن يكون وضع الخراج مراعى في كل أرض تَحْتَمِلُهُ. فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، يُؤَثِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي زِيَادَةِ الْخَرَاجِ وَنُقْصَانِهِ: أَحَدُهَا: مَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْضِ مِنْ جَوْدَةٍ يَزْكُو بها زرعهم، أو رداءة يقل به ريعها. الثاني: ما يختص بالزرع من اختلاف أنواعه. فإن الحبوب والثمار ما يكثر ثمنه، ومنها ما لا يقل ثمنه، فيكون الخراج بحسبه. الثالث: ما يختص بالسقي والشرب، لأن ما التزمت المؤنة في سقيه بالدوالي والنواضح لا يحتمل من الخراج ما يحتمله ما سقي بالسيوح والأمطار. وشرب الزروع وَالْأَشْجَارِ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا سَقَاهُ الآدميون بغير آلة، كالسبةح من العيون والأنهار تساق إليها، فتسيح عليها عند الحاجة، وتمنع عنها عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ، وَهَذَا أَوْفَرُ الْمِيَاهِ مَنْفَعَةً وَأَقَلُّهَا كلفة.

القسم الثاني: ما سقاه الآدميون من نواضح أو دوالي، أو دواليب، وهذا أكثر المياه مؤنة وأشقها عملا. القسم الثالث: ما سقته السماء مطرا، أو ثلجا، أو طلا، ويسمى العذي. القسم الرابع: ما سقته الأرض بندواتها، وما أسكن من الماء قرارها، فشرب زَرْعُهَا وَشَجَرُهَا بِعُرُوقِهِ، وَيُسَمَّى الْبَعْلُ. فَأَمَّا الْغِيلُ: فهو مَا شَرِبَ بِالْقَنَاةِ، فَإِنْ سَاحَ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَسِحْ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي. وَأَمَّا الْكَظَائِمُ: فَهُوَ مَا شَرِبَ مِنْ الْآبَارِ، فَإِنْ نُضِحَ مِنْهَا بِالْغُرُوبِ فَهُوَ من القسم الثاني وإن استخرج من القنى، فهو غيل يلحق بالقسم الأول. وإذا ثبت هذا فلابد لواضع الخراج من اعتبار ما وصفنا مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَرْضِينَ، وَاخْتِلَافِ الزروع، واختلاف الشرب لِيَعْلَمَ قَدْرَ مَا تَحْمِلُهُ الْأَرْضُ مِنْ خَرَاجِهَا. فيقصد العدل فيما بين أهلها وأهل الْفَيْءِ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ تُجْحِفُ بِأَهْلِ الْخَرَاجِ، ولا نقصان يضر بأهل الفيء.

<<  <   >  >>