وَلَا يَسْتَقْصِي فِي وَضْعِ الْخَرَاجِ غَايَةَ مَا تحتمله، ليجعل فِيهِ لِأَرْبَابِ الْأَرْضِ بَقِيَّةً يُجْبِرُونَ بِهَا النَّوَائِبَ والجوائح. ويعتبر واضع الخراج أصلح الأمور من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يضعه على مسائح الأرض. الثاني: أن يضعه على مسائح الزرع. الثالث: أن يجعله مُقَاسَمَةً. فَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى مَسَائِحِ الْأَرْضِ كَانَ مُعْتَبَرًا بِالسَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ. وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى مَسَائِحِ الزرع، فقد قيل: يكون مُعْتَبَرًا بِالسَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ. وَإِنْ جَعَلَهُ مُقَاسَمَةً كَانَ مُعْتَبَرًا بِكَمَالِ الزَّرْعِ وَتَصْفِيَتِهِ. فَإِذَا اسْتَقَرَّ عَلَى أحدها مقدار بشروطه الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ صَارَ ذَلِكَ مُؤَبَّدًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَلَا يُنْقَصَ مِنْهُ، مَا كانت الأرضون على أحوالها، في شروبها ومصالحها. فإن تغيرت شروبها ومصالحها إلى زيادة أو نقصان فَذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ، كَزِيَادَةٍ حَدَثَتْ بِشَقِّ أنهار، واستنباط مياه، أو نقصان حدث لتقصير في عمارة، أو لعدول عن مصلحة. فَيَكُونُ الْخَرَاجُ عَلَيْهِمْ بِحَالِهِ، لَا يُزَادُ عَلَيْهِمْ فيه لزيادة عمارتهم، ولا ينقص منه لنقصانها.
ويؤخذون بالعمارة نظرا لهم، ولأهل الفيء، لئلا يستديم خرابه فيتعطل. الضرب الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ جهتهم، فيكون النقصان بشق انفجر أَوْ نَهْرٍ تَعَطَّلَ. فَإِنْ كَانَ سَدُّهُ وَعَمَلُهُ مُمْكِنًا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَالْخَرَاجُ سَاقِطٌ عنهم ما لم يعمل. وإن لم يمكن عَمَلُهُ فَخَرَاجُ تِلْكَ الْأَرْضِ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِهَا إذَا عُدِمَ الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَإِنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بها في غير الزراعة: لمصائد، أو مراع، جاز أن يستأنف وضع الخراج بحسب ما يحتمله الصيد والمراعي , وليست كأرض الْمَوَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُوضَعَ عَلَى مَصَائِدِهَا وَمَرَاعِيهَا خَرَاجٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ مَمْلُوكَةٌ، وأرض الموات مباحة. وقد نقل خضر بن إسحاق: أن صيادا سأل أحمد عن الصيد في أجمة - يعني قطر بل - وأنهم يمنعون أن نصيد فيها حتى نعطيهم شيئا؟ فقال:" احرص أن لا تعطيهم فإن شارطتهم فلا تخنهم".