وهذا ظاهر كلام أحمد، وأن الخراج لا يقف على الزرع أو الغراس. قال في رواية يعقوب بن بختان - وقد سأله: ترى أن يخرج الرجل عما في يده من دار أو ضيعة على ما وصف عمر على كل جريب فيتصدق به؟ - قال:" ما أجود هذا " قال له: فإنه بلغني عنك أنك تعطي عن دارك الخراج، تتصدق به؟ قال:" نعم". وقد قيل: إن مالا يستغني في زراعتها عن بنائه في مقامه في أرض الخراج لزراعها عفو يسقط عنه خراجه، لأنه لا يسقر في زراعتها إلا بمسكن يستوطنه، وما جاز قدر حاجته مَأْخُوذٌ بِخَرَاجِهِ. وَإِذَا أُوجِرَتْ أَرْضُ الْخَرَاجِ، أَوْ أُعِيرَتْ، فَخَرَاجُهَا عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ. وقد قال أحمد في رواية أبي الصقر - في أرض السواد تقبلها الرجل " يؤدي وظيفة عرم ويؤدي العشر بعد وظيفة عمر". وظاهر هذا: أن الخراج على المستأجر، لأن المتقبل مستأجر. وكذلك قال في رواية محمد بن أبي حرب " أرض السواد من استأجر منها شيئا ممن هي في يده فهو جائز، ويكون فيها مثله".
فقد جعل المستأجر بمنزلة الموجر. وقد صرح به أبو حفص في الجزء الثاني من الإجارة، فقال:" باب الدليل على أن من استأجر أرضا فزرعها كان الخراج والعشر جميعا عليه، دون صاحب الأرض - وساق فيه رواية أبي صقر". وعندي أن كلام أحمد لا يقتضي ما قال، لأنه إنما نص على رجل تقبل أرضا من السلطان فدفعها إليه بالخراج، وجعل ذلك أجرتها، لأنها لم تكن في يد السلطان بأجرة، بل كانت لجماعة المسلمين، والمسألة التي ذكرناها إذا كانت في يد رجل من المسلمين بالخراج المضروب فأجرها فإن الثاني لا يجب عليه الخراج، بل يجب على الأول، لأنها في يده بأجرة، هي الخراج. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي حُكْمِهَا، فَادَّعَى الْعَامِلُ أَنَّهَا أَرْضُ خَرَاجٍ، وَادَّعَى رَبُّهَا أَنَّهَا أَرْضُ عُشْرٍ - وَقَوْلُهُمَا مُمَكَّنٌ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ المالك دون العامل، فإن اتهم استحلف. وَيَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِي مِثْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى شَوَاهِدِ الدَّوَاوِينِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا عَلِمَ صِحَّتَهَا، ووثق بكتابها. وَإِذَا ادَّعَى رَبُّ الْأَرْضِ دَفْعَ الْخَرَاجِ لَمْ يقبل قَوْلُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِي دَفْعِ الْخَرَاجِ على البروزات السُّلْطَانِيَّةِ إذَا عَرَفَ صِحَّتَهَا، اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْمُعْتَادِ فيها.