لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِنَصْبِ عِبَارَةٍ عليه، ولا يرفع ماءه لإدارة رحى فيه إلا عن مرضاة جَمِيعِ أَهْلِهِ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِيمَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّفَرُّدِ بِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الزُّقَاقِ المشترك أَنْ يَفْتَحَ إلَيْهِ بَابًا، وَلَا أَنْ يُخْرِجَ إليه جَنَاحًا، وَلَا يَمُدَّ عَلَيْهِ سَابَاطًا إلَّا بِمُرَاضَاةِ جميعهم. وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية صالح: في نهر ماؤه عيون يخرج من فوق بقدر، والماء لأقوام معروفين لهم أرضون فوق المدينة وتحتها، والذين لهم ضياع فوق يحتاجون أن يأخذوا الماء لأرضهم من فوق المدينة، وفيه ضرر على أخل المدينة فقال " إن كان هذا النهر لهؤلاء القوم احتفروه وأنفقوا عليه، فليس لأحد أن يمنعهم وإن كان هذا شيئا لم يزل هكذا فللقوم أن يمنعوهم حتى يستوي الناس في شربهم على ما كانوا ". فقد نص على أنه إن كان ملكهم كان على ما اتفقوا عليه، وليس لأحدهم أن ينفرد بشيء منه. ثم لا يخلو حال شربهم مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتَنَاوَبُوا عَلَيْهِ بالأيام إن قلوا، وبالساعات إن كثروا، أو يقترعوا إنْ تَنَازَعُوا فِي التَّرْتِيبِ، حَتَّى يَسْتَقِرَّ لَهُمْ تَرْتِيبُ الْأَوَّلِ وَمَنْ يَلِيهِ، وَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَوْبَتِهِ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا، ثُمَّ هم من بعده على ما ترتبوا. القسم الثاني: أن يقتسموا فم النَّهْرِ عَرْضًا بِخَشَبَةٍ تَأْخُذُ جَانِبَيْ النَّهْرِ، وَيُقْسَمُ فيها حفور مقدرة بحقوقهم من الماء يدخل فِي كُلِّ حُفْرَةٍ مِنْهَا قَدْرُ مَا اسْتَحَقَّهُ صاحبها من خمس أو عشر، يأخذه إلى أرضه على الأدوار.
القسم الثالث: أن يحتفر كل واحد منهم في وجه أرضه شربا مُقَدَّرًا لَهُمْ بِاتِّفَاقِهِمْ، أَوْ عَلَى مِسَاحَةِ أَمْلَاكِهِمْ، ليأخذ من ماء النهر قدر حقه ما يساوي فيه جميع شركائه، ثم ليس لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ، وَلَا لَهُمْ أَنْ ينقصوا منه، وَلَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤَخِّرَ شُرْبًا مُقَدَّمًا، كما ليس لواحد من أهل الزقاق المشترك أَنْ يُؤَخِّرَ بَابًا مُقَدَّمًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ شُرْبًا مُؤَخَّرًا وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ بَابًا مُؤَخَّرًا، لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْبَابِ الْمُؤَخَّرِ اقْتِصَارًا عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ، وَفِي تَقْدِيمِ الشُّرْبِ المؤخر زيادة عَلَى الْحَقِّ. فَأَمَّا حَرِيمُ هَذَا النَّهْرِ الْمَحْفُورِ في الموات فقد قيل: إنه يعتبر بعرف الناس في مثله، وكذلك القناة، لأن القناة نهر باطن، وقيل: حريم النهر ملقى طينه، وقيل: حريم الْقَنَاةِ مَا لَمْ يَسِحْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وكان جامعا للماء، وقد قلنا في حريم ما أحياه لسكنى أو زرع: إنه مُعْتَبَرٌ بِمَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ تِلْكَ الْأَرْضُ في طريقها وفنائها.