للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأما الْآبَارُ فَلِحَافِرِهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَحْفِرَهَا للسابلة فَيَكُونُ مَاؤُهَا مُشْتَرَكًا، وَحَافِرُهَا فِيهِ كَأَحَدِهِمْ. قَدْ وَقَفَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِئْرَ رُومَةَ، وكان يَضْرِبُ بِدَلْوِهِ مَعَ النَّاسِ، وَيَشْتَرِكُ فِي مَائِهَا. إذا اتسع شرب وسقي الزروع. فإن ضاق عَنْهُمَا كَانَ شُرْبُ الْحَيَوَانِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَيَشْتَرِكُ فِيهَا الْآدَمِيُّونَ وَالْبَهَائِمُ. فَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا كَانَ الْآدَمِيُّونَ بِمَائِهَا أَحَقَّ مِنْ الْبَهَائِمِ. الحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْتَفِرَهَا لِارْتِفَاقِهِ بِمَائِهَا، كَالْبَادِيَةِ إذَا انْتَجَعُوا أَرْضًا وَحَفَرُوا فِيهَا بِئْرًا لِشُرْبِهِمْ وَشُرْبِ مَوَاشِيهِمْ كَانُوا أَحَقَّ بِمَائِهَا مَا أَقَامُوا عَلَيْهَا في نجعهم، وَعَلَيْهِمْ بَذْلُ الْفَضْلِ مِنْ مَائِهَا لِلشَّارِبِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَإِذَا ارْتَحَلُوا عَنْهَا صَارَتْ الْبِئْرُ سَابِلَةً، فتكون خاصة الابتداء عامة الِانْتِهَاءِ، فَإِنْ عَادُوا إلَيْهَا بَعْدَ الِارْتِحَالِ عَنْهَا كانوا وغيرهم فيها سواء، ويكون السابق إليها أحق بها. وقد قال أحمد في رواية حرب: في رجل سبق إلى أفواه قني عتيبة، فذهب رجل فسبق إلى بعض أفواه القني من فوق أو من أسفل. فقال الأول: ليس لك ذلك لأني سبقت إلى أصل القناة.

فقال أحمد: " إذا لم يكن ملكا لأحد فلكل إنسان ما سبق إليه". الحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَحْتَفِرَهَا لِنَفْسِهِ مِلْكًا، فَمَا لَمْ يبلغ بالحفر إلَى اسْتِنْبَاطِ مَائِهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا. وقد قال أحمد في رواية حرب " وإذا حفر بئرا ولم يبلغ الماء لا يكون إحياء". فقد نص على أنه لا يملكها بذلك. وإذا استنبط ماءها استقر ملكه عليها لكمال الْإِحْيَاءِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى طَيٍّ فَيَكُونُ طَيُّهَا مِنْ كَمَالِ الْإِحْيَاءِ وَاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ. ثُمَّ يصير مالكها لها ولحريمها وهو خمسة وعشرون ذراعا سواء كانت بئر الناضح أو بئر العطن، وهي التي تحفر لشرب الماشية. وإن سبق إلى بئر قد حفرها الكفار صارت ملكا له بالسبق إليها بحريمها، وهو خمسون ذراعا. وقد نص على هذا التقدير في رواية حرب فقال " من حفر بئرا فله خمسة وعشرون ذراعا حاليها حريمها، والعادية خمسون ذراعا وهي التي لم تزل ". قيل له: فبئر الزرع؟ قال: " ما أدري كيف هذا؟ قد روى ثلاثمائة واختلفوا".

<<  <   >  >>