أَحَدُهَا: أَنْ يَتَضَمَّنَ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ، فَيَجُوزَ لَهُ أن يستخلفه، ويكون من استخلفه نائبا عنه ينعزل بعزله، وإن لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْإِذْنِ، فَإِنْ سَمَّى له من يستخلفه فهل ينعزل بعزله؟ قد قيل: ينعزل، وقيل: لَا يَنْعَزِلُ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَضَمَّنَ التَّقْلِيدُ نَهْيًا عَنْ الِاسْتِخْلَافِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ فِيهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ كَانَ التَّقْلِيدُ فَاسِدًا، فَإِنْ نَظَرَ مَعَ فَسَادِ التَّقْلِيدِ صَحَّ نظره فيما اختص بالإذن من أمر أو نهي، وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ مَا اخْتَصَّ بِالْوِلَايَةِ مِنْ عَقْدٍ وَحَلٍّ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا لَا يَتَضَمَّنُ إذْنًا وَلَا نَهْيًا، فَيُعْتَبَرُ حال العمل فإن قدر على النظر فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لم يقدر على التفرد بالنظر فيه كان لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ وَلَمْ يجز أن يستخلف فيما قدر عليه. وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فِيمَا اخْتَصَّ بِبَيْتِ الْمَالُ مِنْ دَخْلٍ وَخَرْجٍ. فَهُوَ: أَنَّ كُلَّ مَالٍ اسْتَحَقَّهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مَالِكُهُ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا قُبِضَ صَارَ بِالْقَبْضِ مُضَافًا إلَى حُقُوقِ بَيْتِ الْمَال، سَوَاءٌ أُدْخِلَ إلَى حِرْزِهِ أَوْ لَمْ يُدْخَلْ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِهَةِ لَا عَنْ الْمَكَانِ.
وَكُلُّ حَقٍّ وَجَبَ صَرْفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ حَقٌّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا صرف في وجه صَارَ مُضَافًا إلَى الْخَرَاجِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، سواء أخرج مِنْ حِرْزِهِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ، لِأَنَّ مَا صَارَ إلَى عُمَّالِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَحُكْمُ بَيْتِ الْمَالِ جَارٍ عَلَيْهِ فِي دخله إليه وخرجه عنه. وإذا كان كذلك في الأموال الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْلِمُونَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: فَيْءٌ، وغنيمة، وصدقة. فأما الفيء ففي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ مَصْرِفَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى رأي الإمام. وَأَمَّا الْغَنِيمَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ لأنها مستحقة للغانمين الذين تعينوا بحضور الوقعة لا يختلف مصرفها برأي الإمام ولا اجتهاده في منعهم، فلم تصر من حقوق بيت المال إلا في الأرضين. فقد حكينا فيها روايتين: إحداهما: أنه لا رأي له فيها كغيرها من الأموال. والثانية: له فيها رأي في وقفها وفيء قسمتها. فأما خُمُسُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهُ يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ سهم الرسول المصروف في المصالح العامة، الموقوف مَصْرِفِهِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ.