وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَصْرِفُهُ مُسْتَحِقًّا عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالْأَرْفَاقِ دُونَ الْبَدَلِ، فَاسْتِحْقَاقُهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوُجُودِ دُونَ الْعَدَمِ، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي بيت المال وجب فيه وسقط فرضه على المسلمين، وإن كان معدوما سقط وجوبه عن بيت المال. وكان - وإن عَمَّ ضَرَرُهُ - مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَقُومَ بِهِ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ كَالْجِهَادِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعُمُّ ضرره كوعورة طريق قريب يجد الناس غيره طريقا بَعِيدًا، أَوْ انْقِطَاعِ شُرْبٍ يَجِدُ النَّاسُ غَيْرَهُ شُرْبًا فَإِذَا سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ بالعدم سقط وجوبه عن الكافة لِوُجُودِ الْبَدَلِ. فَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ حَقَّانِ، ضَاقَ عَنْهُمَا وَاتَّسَعَ لِأَحَدِهِمَا صُرِفَ فِيمَا يصير منهما دينا فيه. ولو ضاق عن كل واحد منهما كان لولي الأمر إذا خاف الضرر والفساد أَنْ يَقْتَرِضَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مَا يَصْرِفُهُ في الديون دون الأرفاق، وَكَانَ مَنْ حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ الْوُلَاةِ مَأْخُوذًا بِقَضَائِهِ إذَا اتَّسَعَ لَهُ بَيْتُ الْمَالِ. وَإِذَا فَضُلَتْ حُقُوقُ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ مَصْرِفِهَا فَقَدْ قيل: إنها تدخر فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا يَنُوبُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حادث، وقيل: إنها تفرق على من يعم به صلاح المسلمين ولا تدخر، لأن النوائب يتعين فَرْضُهَا عَلَيْهِمْ إذَا حَدَثَتْ. فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ التي وضعت عليها قواعد الديوان.
فأما كاتب الديوان وهو صاحب زمامه فَالْمُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ شَرْطَانِ: الْعَدَالَةُ، وَالْكِفَايَةُ. أما الْعَدَالَةُ، فَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَالرَّعِيَّةِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَالَةِ وَالْأَمَانَةِ على صفات المؤتمنين. وقد قال في كاتب القاضي " يكون عدلا". وَأَمَّا الْكِفَايَةُ فَلِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِعَمَلٍ يَقْتَضِي أَنْ يكون في القيام به، مستقلا بكفاية المباشرين. فإذا صح التقليد فَاَلَّذِي نُدِبَ لَهُ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: حِفْظُ الْقَوَانِينِ، واستيفاء الحقوق، وإثبات الرقوع، ومحاسبات العمال، وإخراج الأموال، وَتَصَفُّحُ الظَّلَّامَاتِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا وَهُوَ حِفْظُ الْقَوَانِينِ عَلَى الرُّسُومِ الْعَادِلَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ تتحيف يها الرعية، أو نقصان يثلم به