وَأَمَّا اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الْعُمَّالِ، فَإِنْ كَانَتْ خَرَاجًا إلَى بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُحْتَجْ فِيهَا إلَى تَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَكَانَ اعْتِرَافُ صَاحِبِ بَيْتِ الْمَالِ بِقَبْضِهَا حُجَّةً فِي بَرَاءَةِ الْعُمَّالِ مِنْهَا. والكلام في خطه إذَا تَجَرَّدَ عَنْ إقْرَارِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ في خطوط العمال أنه يكون حجة. وَإِنْ كَانَتْ خَرَاجًا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ ولم تكن خراجا إليه لم يمض للعمال إلَّا بِتَوْقِيعِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَكَانَ التَّوْقِيعُ إذَا عُرِفَتْ صِحَّتُهُ حُجَّةً مُقْنِعَةً فِي جَوَازِ الدَّفْعِ. فأما في الاحتساب به، فيحتمل أَنْ يَكُونَ الِاحْتِسَابُ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَى اعْتِرَافِ صاحب الحق الْمُوَقَّعِ لَهُ بِقَبْضِ مَا تَضَمَّنَهُ، لِأَنَّ التَّوْقِيعَ حُجَّةٌ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِحَجَّةٍ فِي الْقَبْضِ منه. ويحتمل: أن يحتسب به للعامل فِي حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ أَنْكَرَ صَاحِبُ التَّوْقِيعِ الْقَبْضَ حَاكَمَ الْعَامِلَ فِيهِ، وَأَخَذَ الْعَامِلُ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَدِمَهَا أُحْلِفَ صَاحِبُ التَّوْقِيعِ وَأَخَذَ الْعَامِلُ بِالْغُرْمِ. وَهَذَا الْوَجْهُ أَخَصُّ بعرف الديوان، والأول أَشْبَهُ بِتَحْقِيقِ الْفِقْهِ. فَإِنْ اسْتَرَابَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ بالتوقيع لم يحتسب به للعامل على الاحتمالين مَعًا حَتَّى يُعْرِضَهُ عَلَى الْمُوَقِّعِ فَإِنْ اعْتَرَفَ به صح ن وكان في الاحتساب عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ لِلْعَامِلِ.
وَنُظِرَ فِي وَجْهِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ كان في حاضر مَوْجُودٍ رَجَعَ بِهِ الْعَامِلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ في جهات لا يمكن الرجوع فيها سأل إحلاف الموقع على إنكاره، فإن لم يعرف صحة الخراج لم يكن للعامل إحلاف الموقع، لَا فِي عُرْفِ السَّلْطَنَةِ وَلَا فِي حُكْمِ القضاء، وإن علم صحة الخراج فهو في عرف السلطنة ممنوع عَنْ إحْلَافِ الْمُوَقِّعِ، وَفِي حُكْمِ الْقَضَاءِ يُجَابُ إليه. وأما الثالث وهو إثبات الرقوع. فينقسم ثلاثة أقسام: رقوع مساحة، ورقوع قبض واستيفاء: ورقوع خرج ونفقة فأما رقوع الْمِسَاحَةِ وَالْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا مُقَدَّرَةً فِي الديوان، اعتبر صحة الدفع بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَأُثْبِتَ فِي الدِّيوَانِ إنْ وَافَقَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الدِّيوَانِ أُصُولٌ عُمِلَ فِي إثْبَاتِهَا عَلَى قَوْلِ رَافِعِهَا. وَأَمَّا رقوع الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ، فَيُعْمَلُ فِي إثْبَاتِهَا عَلَى مُجَرَّدِ قول رافعها، لأنه مقر على نفسه به لا لها. وأما رقوع الْخَرَاجِ وَالنَّفَقَةِ، فَرَافِعُهَا مُدَّعٍ لَهَا فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا بِالْحُجَجِ الْبَالِغَةِ، فَإِنْ احْتَجَّ بِتَوْقِيعَاتِ ولاة الأمر استعرضها، وكان الحكم فيها على ما قدمناه مِنْ أَحْكَامِ التَّوْقِيعَاتِ