للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ مُحَاسَبَةُ الْعُمَّالِ، فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا باختلاف ما تقلدوه، وقد قدمنا القول فيه. فَإِنْ كَانُوا مِنْ عُمَّالِ الْخَرَاجِ لَزِمَهُمْ رَفْعُ الْحِسَابِ، وَوَجَبَ عَلَى كَاتِبِ الدِّيوَانِ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَى صِحَّةِ مَا رَفَعُوهُ. وَإِنْ كَانُوا مِنْ عُمَّالِ العشر لم يلزم عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَفْعُ الْحِسَابِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى كَاتِبِ الدِّيوَانِ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعُشْرَ عند صَدَقَةٌ لَا يَقِفُ مَصْرِفُهَا عَلَى اجْتِهَادِ الْوُلَاةِ. ولو انفرد أهلها بمصرفها أَجْزَأَتْ، وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَفْعُ الْحِسَابِ. وَيَجِبُ عَلَى كَاتِبِ الدِّيوَانِ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَيْهِ: لأن عنده أن مصرف العشر والخراج مشترك. فإذا حوسب من وجبت مُحَاسَبَتُهُ مِنْ الْعُمَّالِ نُظِرَ. فَإِنْ لَمْ يَقَعْ بين العامل وكاتب الديوان خلف كَانَ كَاتِبُ الدِّيوَانِ مُصَدَّقًا فِي بَقَايَا الْحِسَابِ. فَإِنْ اسْتَرَابَ بِهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ كَلَّفَهُ إحْضَارَ شَوَاهِدِهِ، فَإِنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ عَنْهُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ فيه.

وإن لم تزل الريبة أراد ولي الأمر الإحلاف عليه أُحْلِفَ الْعَامِلُ دُونَ كَاتِبِ الدِّيوَانِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى الْعَامِلِ دُونَ الْكَاتِبِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْحِسَابِ نُظِرَ. فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي دَخْلٍ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وإن كان اختلافهما في خرج فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْكَاتِبِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ كان اختلافهما في مساحة يمكن إعادتها أعيدت بعد الاختلاف وعمل فيها بما يخرج به صحيح الاعتبار، وإن لم يمكن إعادتها أحلف عليها رب المال دون الماسح. وأما الخامس وهو إخراج الأموال، فَهُوَ اسْتِشْهَادُ صَاحِبِ الدِّيوَانِ عَلَى مَا ثَبَتَ فيه من قوانين وحقوق، فصار كالشهادة فاعتبر فِيهِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ الْأَمْوَالِ إلَّا مَا عَلِمَ صِحَّتَهُ، كَمَا لَا يشهد حتى يستشهد، والمستدعي لإخراج الأموال مَنْ نَفَذَتْ تَوْقِيعَاتُهُ، كَمَا أَنَّ الْمَشْهُودَ عِنْدَهُ من نفذت أحكامه. فإذا أخرج حالا ما لزم الموقع بإخراجها الأخذ بِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا، كَمَا يَلْزَمُ الْحَاكِمَ تَنْفِيذُ الحكم بما شهد بِهِ الشُّهُودُ عِنْدَهُ. فَإِنْ اسْتَرَابَ الْمُوَقِّعُ بِإِخْرَاجِ الحال جاز أن يسأله من أين أخرجها وَيُطَالِبُهُ بِإِحْضَارِ شَوَاهِدِ الدِّيوَانِ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يجز للحاكم أن يسأل الشاهد عَنْ سَبَبِ شَهَادَتِهِ.

<<  <   >  >>