الثاني: أَنْ يُفَوِّضُوا الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ، وَيَكِلُوهُ إلَى تدبيره حتى لا تختلف آراؤهم، وقد قَالَ تَعَالَى (٤: ٨٤ - وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) .
فَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ صَوَابٌ خَفِيَ عَلَيْهِ بَيَّنُوهُ لهم، وأشاروا به عليه، وقد ندب الله تعالى إلى المشاورة. الثالث: أن يسارعوا إلى امتثال أمره، والوقوف عند نهيه وزجره، فإن توقفوا عما أمرهم، وأقدموا على ما نهاهم عنه، كان له تأديبهم على المخالفة حسب أحوالهم، ولا يغلط فينفر، وقد قال الله تعالى لنبيه (٣: ١٥٩ - وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حولك) . وروى ابن المسيب عن النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:"خَيْرُ دينكم أيسره". الرابع: أن لا ينارعوه في الغنائم إذا قسموها بينهم، ويرضوا فيها بتعديل القسمة عليهم.
ومن أَحْكَامِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ مُصَابَرَةُ الْأَمِيرِ قِتَالَ الْعَدُوِّ وأن يطاول به، ولا يولي عنهم وَفِيهِ قُوَّةٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (٣: ٢٠٠ - يَا أَيُّهَا الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) . قيل فيه: اصْبِرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَابِرُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ، ورابطوا في سبيل الله. وقيل: اصْبِرُوا عَلَى الْجِهَادِ، وَصَابِرُوا الْعَدُوَّ، وَرَابِطُوا بِمُلَازَمَةِ الثغر. وَإِذَا كَانَتْ مُصَابَرَةُ الْقِتَالِ مِنْ حُقُوقِ الْجِهَادِ، فَهِيَ لَازِمَةٌ حَتَّى يُظْفَرَ بِخَصْلَةٍ مِنْ أَرْبَعِ خصال: إحداهن: أن يسلموا، فيحرزوا بالإسلام دماءهم وأموالهم. ويتبعهم في الإسلام صغار الأولاد. الثانية: أن يظفره الله تعالى، فيسبي ذراريهم، ويغنم أموالهمن ويقتل من لم يحصل في الأسر. وَيَكُونُ فِي الْأَسْرَى مُخَيَّرًا فِي اسْتِعْمَالِ الْأَصْلَحِ من أربعة أشياء: أن يقتلهم صبراً، فيضرب العنق. الثاني: أن يسرقهم، وَيُجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الرِّقِّ: مِنْ بَيْعٍ، أَوْ عتق. الثالث: أَنْ يُفَادِيَ بِهِمْ عَلَى مَالٍ أَوْ أَسْرَى. الرابع: أن يمن عليهم، ويعفو عنهم.