للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولاه، فيكون في البلد في حكم الإمام في كل بلد، وإذا كان الإمام وجب أن يولي من ينوب عنه في موضع نظره. ويفارق الوكيل، لأنه لا يوكل على الروايتين، لأنه في حق موكله، بدليل أن له عزله، وليس للإمام عزله ما كان على الصفات المشروطة. فإن قلد جميع البلد كان له أن يحكم في أي موضع شاء منه، فإن شرط عليه في عقد الولاية موضعا مخصوصا، إما في داره أو مسجده بطلت الولاية، لأن الولاية عامة، فلا يجوز الحجر عليه في موضع جلوسه.

فإن قلد الحكم بين من ورد إليه في داره أو مسجده، صح، ولم يجز له أَنْ يَحْكُمَ فِي غَيْرِ دَارِهِ وَلَا فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ وِلَايَتَهُ مَقْصُورَةً عَلَى من ورد إلى داره ومسجده، وهم لا يتعينون إلا بالورود إليها. فإن قلد قاضيين على بلد، نظرت فإن رد إلَى أَحَدِهِمَا، مَوْضِعًا مِنْهُ، وَإِلَى الْآخَرِ غَيْرُهُ صح، وَيَقْتَصِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّظَرِ فِي موضعه، وكذلك إن رد إلَى أَحَدِهِمَا نَوْعٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِلَى الْآخَرِ غَيْرُهُ، كَرَدِّ الْمُدَايَنَاتِ إلَى أَحَدِهِمَا، وَالْمَنَاكِحِ إلَى الآخر، فيجوز ذلك ويقتصر كل واحد منها عَلَى النَّظَرِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْخَاصِّ فِي البلد كله. وإن ردّ إلى كل واحد منهما جميع البلد، فقد قيل: لا يصح، لأنه يفضي إلى التشاجر في تجاذب الخصوم إليهما. وقيل: يصح لأنها استنابة فهي كَالْوَكَالَةِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ عِنْدَ تَجَاذُبِ الْخُصُومِ قَوْلَ الطالب غير الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ إلَيْهِمَا، فإن تساويا أقرع بينهما، وقيل: يمنعان من التخاصم حتى يتفقا على أحدهما، والأول أشبه بقولنا. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وِلَايَةُ الْقَاضِي مَقْصُورَةً عَلَى حكومة معينة بين خصمين، وتكون ولايته عليهما بَاقِيَةً مَا كَانَ التَّشَاجُرُ بَيْنَهُمَا بَاقِيًا، فَإِذَا بتّ الحكم بينهما زالت ولايته، فإن تَجَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ أُخْرَى لَمْ يَنْظُرْ بَيْنَهُمَا إلا بإذن مجدد. فإن لم يعين الخصوم، لكن جعل النظر مقصوراً على الأيام، فقال " قد قَلَّدْتُكَ النَّظَرَ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ خاصة" جاز نظره فيه بين جميع الْخُصُومِ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى، وَتَزُولُ وِلَايَتُهُ بِغُرُوبِ الشمس منه. فإن قلد النَّظَرَ فِي كُلِّ يَوْمِ سَبْتٍ جَازَ أَيْضًا، وكان مقصوراً على النَّظَرِ فِيهِ، فَإِذَا خَرَجَ يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ تَزُلْ وِلَايَتُهُ، لِبَقَائِهَا عَلَى أَمْثَالِهِ مِنْ الْأَيَّامِ.

<<  <   >  >>