فإن قال ولم يسم أحدا - من نظر يَوْمِ السَّبْتِ بَيْنَ الْخُصُومِ فَهُوَ خَلِيفَتِي، لَمْ يَجُزْ، لِلْجَهْلِ بِالْمُوَلَّى، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. فإن قَالَ: مَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ خَلِيفَتِي لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِلْجَهْلِ بِهِ، ولأنه يكون تَمْيِيزَ الْمُجْتَهِدِ، مَوْكُولًا إلَى رَأْيِ غَيْرِهِ مِنْ الخصوم.
فإن قلت: من نظر فيه من مفتي أصحاب أحمد، أو أصحاب أبي حنيفة، أو أصحاب الشافعي لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ لَوْ سَمَّى عَدَدًا، فَقَالَ: مَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٍ، فَهُوَ خَلِيفَتِي لَمْ يَجُزْ، سَوَاءٌ قَلَّ الْعَدَدُ أو كثر، لأن المولي منهم مجهول. فإن قال: قد وردت النظر فيه إلى فلان وفلان، فأيهم نظر فيه فهو خليفتي، جَازَ، سَوَاءٌ قَلَّ الْعَدَدُ أَوْ كَثُرَ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مُوَلَّى. فَإِذَا نَظَرَ فِيهِ أَحَدُهُمْ تَعَيَّنَ وَزَالَ نَظَرُ الْبَاقِينَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُمْ عَلَى النَّظَرِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ بِهِ أَحَدَهُمْ، فَإِنْ جَمَعَهُمْ على النظر فيه، لم يجز مع كثرتهم. وهل يجوز مع قلتهم على الاحتمال الذي ذكرنا في الجمع بين قاضيين. فأما طلب القضاء وخطبة الولاة عليه، نظرت، فإن كان من غير أهل الاجتهاد كان تعرضه لطلبه محظورا، وكان بذلك مجروحا، وإن كان من أهله وممن يجوز له النظر فيه، نظرت. فإن كان الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، إمَّا لِنَقْصِ عِلْمِهِ، أو لِظُهُورِ جَوْرِهِ، فَيَخْطُبُ الْقَضَاءَ دَفْعًا لِمَنْ لَا يستحقه، ليكون فيمن هو بالقضاء أحق، ففيه روايتان: إحداهما: يكره له طلب القضاء. وأصل هذا من كلام أحمد رحمه الله: ما قاله في رواية ابنه عبد الله، في الرجل يكون في بلد لا يكون فيه أحد أولى بالقضاء منه، لعلمه ومعرفته، فقال " لا يعجبني أن يدخل الرجل في القضاء، هو أسلم له". فقد كره له الدخول فيه مع الحاجة إليه. والوجه فيه: ما رواه أبو حفص بإسناده، عن أنس قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- " من سأل القضاء وكل إلى نفسه. ومن أجبر عليه نزل ملك يسدد". وفي لفظ آخر " من ابتغى القضاء وسأل فيه الشفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل عليه ملك يسدد".