للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هل عُمُومِ وِلَايَتِهِ فِيمَا عَدَاهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أن تكون الولاية نوعين: عامة، أو خاصة. جاز أن يكون العزل عَامًّا وَخَاصًّا. وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ فِي التَّوْقِيعِ عن الحكم بينهما حين أمره بالكشف والوساطة، فقد قيل: إن نظرة عَلَى عُمُومِهِ فِي جَوَازِ حُكْمِهِ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ أَمْرَهُ بِبَعْضِ مَا إلَيْهِ لَا يَكُونُ مَنْعًا من غيره. وقيل: يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، مَقْصُورًا عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ التَّوْقِيعُ مِنْ الْكَشْفِ وَالْوَسَاطَةِ، لِأَنَّ فَحَوَى التَّوْقِيعِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ كان التوقيع بالوساطة، لم يلزم إنْهَاءُ الْحَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْوَسَاطَةِ، وَإِنْ كَانَ يكشف الصورة لزمه إنهاء حالها إلَيْهِ، لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ مِنْهُ، فَلَزِمَهُ إجَابَتُهُ عَنْهُ. فَهَذَا حُكْمُ تَوْقِيعِهِ إلَى مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ. فأما الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ، وَهُوَ أَنْ يُوَقِّعَ إلَى مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ، كَتَوْقِيعِهِ إلَى فَقِيهٍ، أَوْ شَاهِدٍ فَلَا يَخْلُو حَالُ تَوْقِيعِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أحوال: إما أن يكون بكشف الصورة، أو يكون بالوساطة، أو بِالْحُكْمِ.

فَإِنْ كَانَ التَّوْقِيعُ بِكَشْفِ الصُّورَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَهَا، وَيُنْهِيَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ، لِيَجُوزَ لِلْمُوَقِّعِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ؛ فَإِنْ أَنْهَى مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ يه، كَانَ خَبَرًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْمُوَقِّعُ، وَلَكِنْ يَجْعَلُهُ فِي نَظَرِ الْمَظَالِمِ مِنْ الْأَمَارَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ بِهَا حَالُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ في الإرهاب وفضل الكشف. وإن كان التوقيع بالوساطة بينهما لم يَقِفْ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ التَّوْقِيعُ مِنْ تَخْصِيصِ الْوَسَاطَةِ، لِأَنَّ الْوَسَاطَةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى تَقْلِيدٍ ولا ولاية، وإنما يقيد بِالْوَسَاطَةِ تَعْيِينَ الْوَسِيطِ بِاخْتِيَارِ الْمُوَقِّعِ، وَقَوَدِ الْخَصْمَيْنِ إليه إجباراً. فإذا أَفْضَتْ الْوَسَاطَةُ إلَى صُلْحِ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ إنهاؤها، وكان شاهداً فيها، متى استدعوه لِلشَّهَادَةِ أَدَّاهَا، وَإِنْ لَمْ تُفْضِ الْوَسَاطَةُ إلَى صُلْحِهِمَا كَانَ شَاهِدًا عَلَيْهِمَا فِيمَا اعْتَرَفَا بِهِ عِنْدَهُ، يُؤَدِّيهِ إلَى النَّاظِرِ فِي الْمَظَالِمِ، إنْ عَادَ الْخَصْمَانِ إلَى التَّظَلُّمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ إنْ لَمْ يَعُودَا. وَإِنْ كَانَ التَّوْقِيعُ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، فَهَذِهِ وِلَايَةٌ يُرَاعَى فِيهَا مَعَانِي التَّوْقِيعِ، ليكون نظره محمولا على ما يوجبه. وإذا كان كذلك فللتوقيع حالتان: إحداهما: أَنْ يُحَالَ بِهِ عَلَى إجَابَةِ الْخَصْمِ إلَى ملتمسه، فيعتبر حينئذ فيه مَا سَأَلَ الْخَصْمُ فِي ظُلَامَتِهِ، وَيَصِيرُ النَّظَرُ مقصورا عليه، فإن سأل الوساطة، أو كشف الصورة، كَانَ التَّوْقِيعُ مُوجِبًا لَهُ، وَكَانَ النَّظَرُ مَقْصُورًا عليه، سواء خَرَجَ التَّوْقِيعُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ: أَجِبْهُ إلَى ما يلتمسه، أَوْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْحِكَايَةِ، كَقَوْلِهِ: رَأْيُكَ فِي إجَابَتِهِ إلَى مُلْتَمَسِهِ، كَانَ مُوَقَّعًا، لِأَنَّهُ لَا يقتضي ولاية يلزم حكمها، وكان أمرها أخف.

<<  <   >  >>