وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ، يَرَى أَنَّهَا لا تنعقد بأقل من أربعين، وكان المأمون - وهم أقل من أربعين - يَرَوْنَ انْعِقَادَ الْجُمُعَةِ بِهِمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ. وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِأَقَلَّ من أربعين، والمأمون لَا يَرَوْنَهُ - وَهُمْ أَقَلُّ- لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ ولا المأمومين إقامتها، لأن المأمومين لا يرونها ولا الإمام يَجِدْ مَعَهُ مَنْ يُصَلِّيهَا.
وَإِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ الإمام في الجمعة أن لا يصلي إلا بأربعين، لم يجز أَنْ يُصَلِّيَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَإِنْ كَانَ يراه مذهبا، لأنه مقصور الولاية على الأربعين، ومصروف عما دونها. ولا يجوز أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِمْ مَنْ يُصَلِّيهَا، لِصَرْفِ وِلَايَتِهِ عنها. فإن أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وهو لا يراه، فالولايه باطلة، لتعذرها من جهته. وَإِذَا كَانَ الْمِصْرُ جَامِعًا لِقُرًى قَدْ اتَّصَلَ بنيانها حتى اتسع بكثرة أهله كَبَغْدَادَ، جَازَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوَاضِعِهِ الْقَدِيمَةِ، ولا يمنع البنيان من إقامتها في مواضعها. وقد نقل أو داود أن أحمد سئل عن المسجدين اللذين يجمع فيهما ببغداد: هل فيه شيء متقدم؟ فقال:" أكثر ما فيه: أمر علي - رضي الله عنه - أن يصلي بالضعفة". وإن كان المصر واحدا موضوعا في الأصل على سعة وجامعه يسع جميع أهله، كمكة والمدينة لَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَامَ الْجُمُعَةُ فِيهِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ الْمِصْرُ وَاحِدًا مُتَّصِلَ الْأَبْنِيَةِ لَا يَسَعُ جَامِعُهُ جَمِيعَ أهله لكثرتهم كالبصرة، ففيه روايتان: إحداهما: تجوز إقامة الجمعة في موضعين منه للضرورة. لكثرة أهله. وقد أومأ إليه أحمد في رواية المروذي. وقد سئل عن الصلاة يوم الجمعة في موضع يكون فيه مسجدان. فقال " صل. أذهب إلى قول على في العيد إنه أمر رجلا يصلي بضعفة الناس". وهو اختيار الخرقي؛ لأنه قال:" وإذا كان البلد كبيرا يحتاج إلى جوامع، فصلاة الجمعة في جميعها جائزة". وفيه رواية أخرى: لا يجوز. فإن ضَاقَ بِهِمْ اتَّسَعَتْ لَهُمْ الطُّرُقَاتُ، فَلَمْ يُضْطَرُّوا إلى تفريق الجمعة في مواضع منه. وقد أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم وقد سئل:" هل علمت أن أحدا جمع جمعتين في مصر واحد؟ قال: لا أعلم أحدا فعله - أي من الماضين - وجمعة بعد جمعة لا أعرف". فعلى هذه الرواية: إن أقيمت الجمعة في موضعين من مِصْرٍ قَدْ مُنِعَ أَهْلُهُ مِنْ تَفْرِيقِ الْجُمُعَةِ، فقد قيل: أَنَّ الْجُمُعَةَ لِأَسْبَقِهِمَا بِإِقَامَتِهَا، وَعَلَى الْمَسْبُوقِ أَنْ يعيد صلاته ظهرا.