للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خازم نكبة عظيمة، إذ قتل منها عددا كبيرا، ويقدر في بعض الروايات بثمانية آلاف١، فإنها ظلت تساهم في الغزوات الخارجية، وتشارك في الأحداث الداخلية وفق ارتباطاتها وظروفها ومصالحها، دون أن يثق الأمويون بها، أو يعترفوا بفضلها. وخلف بن خليفة البكري يذكر هشاما بذلك كله في قصيدته، ويدعوه دعوة صريحة إلى تغيير مواقفه القديمة الثابتة من القبائل، وتقديره لها تقديرا جديدا، وتمييزه بينها تمييزا عادلا، يعتمد على إيمانها به، وذيادها عنه، بحيث يولي السلطة في النهاية أصدقها موالاة له، وأصلبها مدافعة عنه.

غير أن هشاما كان سيء الظن لا في قبيلة بكر وحدها، بل في قبائل ربيعة كلها، كما كان يرى أنها لا تصلح للإمارة، إذ كان يقول: "إن ربيعة لا تسد بها الثغور"٢. وإذا استرجعنا تعليل عبد الله بن خازم للخصومة بين بكر ومضر، عندما طلبت بكر من أوس بن ثعلبة أن يخرج مضر كلها من خراسان، حتى تنقاد له، وتصالح ابن خازم، وقد قتل سادتها بمرو الروذ والطالقان، وتقدم إليها بهراة في جيش من تميم، وهو "أن ربيعة لم تزل غضابا على ربها منذ بعث الله النبي من مضر"٣ انجلى الغموض الذي يكتنف موقف الخلفاء الأمويين من بكر، وانكشف لنا أنهم كانوا يعلمون مدى حقدها عليهم، وحسدها لهم، وأنهم لذلك كانوا يفسرون مواقفها المؤيدة لهم، على أنها مناورات سياسية فيها الخبث والدهاء والبراعة، لا على قرارات نزيهة خالصة من أجلهم.

وكان من نتائج خروج عاصم بن عبد الله الهلالي على طاعة الخليفة أن حبسه أسد بن عبد الله القسري، بعد وصوله إلى خراسان، وحاسبه حسابا عسيرا، فتبرم من عنفه به، معتقدا بأنه ليس من العدل والإنصاف في شيء أن يكون أسد العدو الذي يخاصمه، والقاضي الذي يحاكمه، إذ يقول٤:


١ الطبري ٧: ٤٩٦.
٢ الطبري ٩: ١٦٦٢.
٣ الطبري ٧: ٤٩٣.
٤ معجم الشعراء ص: ١١٨.

<<  <   >  >>