للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذا ابن حضين غدا باللوا ... ء ذكى وكانت معد جداعا١

وإنما أنشدنا القصيدة بتمامها. لأنها تشرح مواقف قبيلة بكر ومطالبها، وأخفى أحاسيسها وعواطفها، ولأنها توضح موقف الخلفاء الأمويين منها. فمن ناحية كان زعماء بكر يتصرفون في المحن والشدائد تصرفا بارعا فيه كثير من الدهاء، بحيث كانوا يبدون معه، وكأنهم لم يتأثروا بالإحن والضغائن القبلية، ولم يراعوا منافعهم الشخصية، ولم ينساقوا وراء المحالفات السياسية. ويظهر هذا في رفض يحيى بن الحضين البكري الموافقة على المعاهدة التي أبرمت بين الحارث وعاصم، والتوقيع على الكتاب الذي كتباه إلى هشام، وارتضته بقية القبائل، لأنه رأى في ذلك خروجا على الخليفة، وخلعا له، فقدر أن الواجب يفرض على عاصم أن يواصل قتاله للحارث، حتى يقضي عليه قضاء مبرما، لا أن يسالمه ويساومه، ثم يلتقي معه على عصيان الخليفة. ولذلك فإنه حثه على متابعة نضاله للحارث، وجاهده معه قبل أن يتفقا مجاهدة قوية٢.

ولكننا نشك في نزاهة موقف يحيى بن الحضين، ونعتقد بأنه كان موقفا سياسيا قبليا، لا نضاليا قوميا، وإذا استذكرنا أن عاصما بن قيس، وأن الحارث بن تميم، وأن هاتين القبيلتين كانتا أكثر القبائل منافسة لبكر، وأنه كان يخشى أن تغلبا على خراسان، فتستبعدا قبيلته وتستذلاها، اتضح لنا كيف أن موقفه لم يكن بوازع من ضميره، ولا بدافع من حرصه على مصلحة الأمة وطاعة الخليفة، وإنما كان موقفا مبنيا على انتهاز الأحداث واستغلالها لمنفعة قبيلته، وكان أيضا موقفا قائما على المكر بتميم وقيس والدس عليهما عند هشام، وقد نجح في تحقيق هذه الغاية، إذ عين هشام أسد بن عبد الله القسري واليا على خراسان، فعاقب عاصما، وقمع قيسا وتميما.

ومن ناحية أخرى لم يكلف الخلفاء الأمويون رجلا من سادة بكر بولاية خراسان، على امتداد حكمهم لها، ولم يصانعوها إلا نادرا. ومع أنها نكبت في عهد عبد الله بن


١ الجداع: الموت والهلال.
٢ الطبري ٩: ١٥٧١.
٣ الطبري ٩: ١٦٩٢.

<<  <   >  >>