للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فقد استمرت بكر تساند الأزد على نصر ومضر منذ ابتداء النزاع إلى سنة تسع وعشرين ومائة، حين قتل الكرماني، فاختلف ميزان القوى، وانعكس اتجاه الأحداث، وأخذ الموقف يتمخض عن نتائج لم تكن متوقعة، حينئذ نظر زعيم بكر إلى موضعها وفائدتها، وقرر تبديل موقعها وموقفها، فانحاز إلى نصر ومضر، ليعزز مكانة قبيلته، ويضمن مستقبلها.

ونزل نصر بباب مرو الروذ بإزاء الكرماني، واجتمع إليه أنصاره، غير أنهما لم يصطدما، بل جنحا للسلم وتصافيا١. ولكن عودة الحارث بن سريج التميمي إلى مرو الشاهجان سنة سبع وعشرين ومائة فجرت الأزمة ثانية، إذ كان الكرماني يضمر العداء لنصر، وإن أظهر أنه صالحه، فتعاقد مع الحارث على مقارعته معا إذا لم يعمل بالكتاب والسنة ولم يستمل أهل الخير والفضل٢. وزاد من تفجر الموقف أن فاز مروان بن محمد بالخلافة، فعين على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، فكتب لنصر بعهده على خراسان، فبايع لمروان بن محمد، فثار الحارث، ونابذ نصرا، زاعما أن يزيد بن الوليد هو الذي أمنه، وأنه أصبح يتوجس من مصيره، فاقتتلا، واستولى سلم بن أحوز، قائد نصر، على أكثر أبواب المدينة ونواحيها٣، فقال المنذر الرقاشي البكري، ابن عم يحيى بن الحضين البكري يصف صبر القاسم الشيباني في قتاله لسلم٤:

ما قاتل القوم منكم غير صاحبنا ... في عصبة قاتلوا صبرا فما ذعروا

هم قاتلوا عند باب الحصن ما وهنوا ... حتى أتاهم غياث الله فانتصروا

فقاسم بعد أمر الله أحرزها ... وأنت في معزل عن ذلك مقتصر

فهذا الشاعر البكري لا يزال يفصح عن مناهضة قومه بمرو الشاهجان لنصر

ومضر، ويعتد بصمود بعض قادتهم أمام سلم بن أحوز التميمي، لأنه يصدر عن رأي


١ الطبري ٩: ١٨٦٣.
٢ الطبري ٩: ١٨٨٩.
٣ الطبري ٩: ١٩١٧.
٤ الطبري ٩: ١٩٢٣.

<<  <   >  >>