للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يا معشر الأزد إني قد نصحت لكم ... فلا تطيعوا جديعا أيما صنعا

فما تناهوا ولا زادتهم عظة ... إلا لجاجا وقالوا الهجر والقذعا١

يا معشر الأزد مهلا قد أظلكم ... ما لا يطاق له دفع إذا وقعا

وواضح أن المنازعات التي احتدمت بين القبائل العربية بخراسان هي التي استغرقت أكثر الشعر الذي تصايح به الشعراء وهم يصفون مواقف قبائلهم منها. فقد استفرغوا معظم ما نظموه في الحديث عن معاداة عبد الله ابن خازم لبكر، ومخالفة تميم له، وفتكها به، وما نشأ عنه من تطاحن عشائرها، وفي الحديث عن اجتماع الأزد وبكر وتميم على خلع قتيبة بن مسلم، واغتيالها له، وما نجم عنه من ادعاء كل قبيلة منها أنها هي التي وثبت به، لأنها كانت أحرص على طاعة الخليفة، وفي الحديث عن الفتنة الأخيرة بين اليمنية والمضرية وأخطارها، وآثارها ونتائجها.

ويؤكد هذا الشعر بمجموعه الحقائق التي أسسنا عليها تصورنا للمنافسة التي اشتدت بين تلك القبائل في الحكم، وهي أن العصبية القبلية والمحالفات الحزبية، وما ارتبطت به من المنافع السياسية والمادية كانت سبب كل خلاف وتباغض واقتتال، فقد سيطرت كل هذه العوامل على وجدان كل قبيلة، وحددت اتجاهها وسياستها، وحملتها على إهمال فكرة الأمة والوحدة، وإيثار مصلحة الجماعة على مصلحتها. فقلما أنار هذا الإحساس قلوب زعمائها وشعرائها، وقلما خفف من حميتهم لقبائلهم وحلفائها. وحتى من كانوا يتخلون عن عصبيتهم في بعض الأحيان، فقد كانوا لا يلبثون أن يعودوا إليها.

ولكن لابد من التمييز بين موقف الأزد وبكر، وموقف تميم وقيس، فقد كانت القبيلتان الأوليان موتورتين، وكانتا مصدر الشغب والفوضى باستمرار، لأنهما كانتا تسعيان للسلطة، وتريدان استبعاد القبيلتين الأخريين.


١ اللجاج: التمادي في الشر. والهجر: القبيح من القول. والقذاع: الفحش من الكلام الذي يقبح ذكره.

<<  <   >  >>