للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقائد فيها، وهل طبعت أشعارهم في هذا الموضوع بطابع القبلية والفردية، أو أنهم تناسوا قبائلهم وذواتهم، وتغلغلت في نفوسهم فكرة الأمة والوحدة، بحيث نوهوا بالقائد المظفر الموفق، ونقدوا القائد المغلب المخفق، سواء كان من قبائلهم وحلفائهم، أو من القبائل المنافسة لهم.

وقبل أن نمضي في استقصاء هذه الأشعار، نود أن نقف قليلا عند الأشعار التي جرت على ألسنة الجند، وهم يكتسحون خراسان، ويحتلون مدنها، لما لها من أهمية تاريخية كبيرة، بل لأنها تفوق في دقتها واتساقها الروايات التي نقلها المؤرخون عن فتح العرب لخراسان، فهي تعطينا صورة واضحة لبداية الفتح، وأحداثه، وتطوراته، ونهايته، دون تخليط أو تقطع. وأول ما تشير إليه أشعار المقاتلين أن الفتح تم بقيادة الأحنف بن قيس التميمي، سنة اثنتين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب، وأنهم غلبوا فيه على نيسابور، ومرو الروذ، ومرو الشاهجان، وطوس، وهراة، وبلخ، وقاتلوا الأتراك الذين أعانوا يزدجرد عليهم، وطاردوهم إلى حدود بلادهم. وفي ذلك يقول ربعي بن عامر التميمي١. وهو أحد الجند الأبطال الذين اشتركوا في القتال٢:

ونحن وردنا من هراة مناهلا ... رواء من المروين إن كنت جاهلا٣

وبلخ ونيسابور قد شقيت بنا ... وطوس ومرو قد أزرن القنابلا٤

أنخنا عليها كورة بعد كورة ... نفضهم حتى احتوينا المناهلا٥

فلله عينا من رأى مثلنا معا ... غداة أزرن الخيل تركا وكابلا

وحين زحف خاقان في جموع الترك لمساعدة يزدجرد، واحتل بلخ، وتقدم إلى


١ انظر أخباره في الطبري ٣: ٤٤٠، ٤٦٤، ٥١٨، ٥٣٥، ٤: ٣٨، ٨٥، ٩٤، ١٢٧، وابن الأثير ٢: ٤٦٣، ٥٥٤، ٣: ٦٤.
٢ ياقوت ٢: ٤١٠.
٣ المناهل: جمع منهل، وهو كل مورد يطؤه الطريق، والماء الرواء: الكثير المروي، والماء الرواء: العذب
٤ القنابل: جمع قنبلة، وهي الطائفة من الخيل.
٥ أناخ البعير: أبركه.

<<  <   >  >>