للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلم يلق سعيد بالا إليه، بل استمر يسالم الصغد ويساومهم، فاتهمه مالك بقلة الفضل والخير، لكي يحمسه حتى ينقض على الصغد، ويحتل بلادهم، باعثا في نفسه الأمل باستعراضه للانتصارات العظيمة التي أحرزها جنوده في يوم طاسى ويوم النهر، اللذين أبلى فيهما مالك وغيره من المقاتلين أحسن البلاء، وتغلبوا على أعدائهم، يقول١:

يا قل خير أمير كنت اتبعه ... أليس يرهبني أم ليس يرجوني

أم ليس يرجو -إذا ما الخيل شمصها ... وقع الأسنة- عطفى حين يدعوني٢

لا تحسبنا نسينا من تقادمه ... يوما بطاس ويوم النهر ذا الطين

ولم يزل به يحرضه على النضال حتى لاقى الصغد، وقارعهم مقارعة عنيفة انتهت بانتصاره عليهم، ودخوله مدينتهم.

وأغار سلم بن زياد٣ على سمرقند إحدى وستين، ففتحها، وأنقذ فرقة إلى خجندة، وهي مدينة على شاطئ نهر جيحون، فانهزمت، وكان أعشى همدان أحد الجنود الغازين المغلوبين. فقال يصف أسفه لانكساره مع غيره من الجنود، ويتمنى لو أسر واستشهد ولقي وجه ربه٤:

ليت خيلي يوم الخجندة لم تهزم ... وغودرت في المكر سليبا

تحضر الطير مصرعي وتروحت ... إلى الله بالدماء خضيبا

وفي سنة أربع وثمانين هاجم يزيد بن المهلب قلعة باذغيس بمقاطعة هراة، وكان نيزك ينزل بها. فتحين يزيد غرة منه، ووضع العيون عليه، فلما علم أنه خرج منها، خالفه إليها، فرجع نيزك وصالحه على أن يدفع إليه ما في القلعة من الخزائن، ويرتحل بعياله عنها. فقال كعب بن معدان الأشقري يصور علو القلعة الشاهق، الذي يطاول


١ ياقوت: ٣: ٤٨٨.
٢ شمصها: نفرها. والعطف: الكر والإقدام.
٣ انظر ترجمته في تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦: ٢٣٧.
٤ فتوح البلدان ص: ٤٠٣، وياقوت ٢: ٤٠٤، وابن الأثير ٤: ٩٧.

<<  <   >  >>