للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عنان السماء، حتى إن أضواءها لتتراءى في الليل المظلم، كأنها النجوم المتلألئة، وكيف أن من تحصن بها امتنع على كل مهاجم. فلما تقدم إليها وطوقها وقع الذعر في قلوب أهلها، فأذعنوا له كارهين، وأدوا ما فرضه عليهم من الجزية صاغرين. ثم مضى يشيد بيزيد وغنائه في الملمات والحادثات، ذاهبا إلى أن الله هو الذى وفقه في

محاصرة القلعة واقتحامها، وأنه شديد النكاية بأعدائه، كثير البر والرحمة بسائليه. يقول:١:

وباغاديس التى من حل ذروتها ... عز الملوك فإن شا جار أوظلما ٢

منيعة لم يكدها قبله ملك ... إلا إذا واجهت جيشا له وجما ٣

تخال نيرانها من بعد منظرها ... بعض النجوم إذا ما ليلها عتما

لما أطاف بها ضاقت صدورهم ... حتى أقروا له بالحكم فاحتكما

فذل ساكنها من بعد عزته ... يعطي الجزى عارفا بالذل مهتضما ٤

وبعد ذلك أياما نعددها ... وقبلها ما كشفت الكرب والظلما

أعطاك ذاك ولي الرزق يقسمه ... بين الخلائق والمحروم من حرما

يداك أحدهما تسقي العدو بها ... سما وأخرى نداها لم يزل ديما

فهل كسيب يزيد أو كنائله ... إلا الفرات وإلا النيل حين طما

ليسا بأجود منه حين مدهما ... إذ يعلوان حداب الأرض والأكما ٥

وفي سنة خمس وثمانين غزا المفضل بن المهلب باذغيس مرة ثانية، ففتحها وأصاب مغنما، فقسمه بين الناس، فنال كل منهم ثمانية دراهم. ثم أغار على آخرون وشومان بما وراء النهر، فظفر وغنم، وفرق ما احتواه على الناس فقال كعب

الأشقري قصيدة شخص فيها رجاحة عقله، وسماحة خلقه، وجلالة أعماله، وجوده الغمر، مما


١ الطبرى ٨: ١١٢٩، وابن الأثير ٤: ٤٩٩.
٢ شا: شاء.
٣لم يكدها: لم يقهرها. ووجم: سكت على غيظ واشتد حزنه.
٤ الجزى: جمع جزية، وهي المال الذي يؤخذ من أهل الذمة والمهتضم: المرتضي.
٥ المد: زيادة ماء النهر. والحداب: جمع حدب، وهو الغليظ المرتفع من الأرض. والأكم: جمع أكمة وهي ما دون الجبل.

<<  <   >  >>