للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

جعله قبلة العرب من كل قبيلة، يغدون إليه يطلبون معروفه مستبشرين، وينصرفون عنه راضين بما أخذوا من نواله، ومما ممكنه من تحقيق النصر بشومان، فكان خير خلف لأبيه الذي بلغ شأوا لم يبلغه أحد١:

ترى ذا الغنى والفقر من كل معشر ... عصائب شتى ينتوون المفضلا

فمن زائر يرجو فواضل سيبه ... وآخر يقضي حاجة قد ترحلا

إذا ما انتوينا غير أرضك لم نجد ... بها منتوى خيرا ولا متعللا

إذا ما عددنا الأكرمين ذوي النهي ... وقد قدموا من صالح كنت أولا

لعمري لقد صال المفضل صولة ... أباحت بشومان المناهل والكلا

صفت لك أخلاق المهلب كلها ... وسربلت من مسعاته ما تسربلا

أبوك الذي لم يسع ساع كسعيه ... فأورث مجدا لم يكن متنحلا

وواضح أن كعبا ركز في قصيدتيه السابقتين على شخصية يزيد، وشخصية الفضل، وأثنى على سياستهما ومقدرتهما العسكرية الفائقة، وتغافل عن الجيش الذي احتمل أعباء الزحف إلى باذغيس وشومان وآخرون، وتكلف التضحيات حتى دخل تلك المدن، وتناسى كذلك القادة ورؤساء الأخماس الذين اشتركوا معهما في تلك المغازي الناجحة، مدفوعا إلى ذلك بعصبيته للأزد، الذين ينتمي هو ويزيد والمفضل إليهم. ولا تظنن أن تقاليد المدحة وما جرى عليه العرف فيها من الإشادة بالممدوح وأصله وعراقته، وتميزه لذلك من غيره هي التي جعلته يبرز دور المهالبة، ويهمل أدوار غيرهم من القادة والمقاتلين فنحن على شبه اليقين من أن تحزبه للأزد كان له التأثير الأكبر في لجاجته في إظهار دور المهالبة وتكبيره له، وفي تنويهه بوالدهم، واعتزازه به، وإعلائه إياه فوق كل العاملين، لمساعيه الجليلة، ومحامده الأصيلة، بل لأمجاده العظيمة التي لم تكن متنحلة لأننا حين درسنا شخصيته من خلال أخباره وأشعاره في الفصل الأخير، صح لنا أنها كانت تنطوي على عصبية جامحة للأزد.


١ الطبري ٨: ١١٤٤.

<<  <   >  >>