للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يومين ثم انتصر عليهم، ولكنه لم يتمكن من وصول بخارى واحتلالها. فقال نهار بن توسعة البكري يذكر صبرهم، وصبر أعدائهم في القتال بخرقانة١:

وباتت لهم منا بخرقان ليلة ... وليلتنا كانت بخرقان أطولا

ولم يحفظ القدماء شعرا نظمه الشعراء في مهاجمة قتيبة لبيكند وبخارى، مع ما صادفه من مصاعب ومعاطب، حتى كاد يهزم، ومع أنه لم يحقق الغاية التي خطط لها قتيبة عندما زحف إلى بخارى. ومن السهل أن نتعلل بما به الباحثون في مثل هذه الحال، فنفترض أن الشعر الذي قيل في هاتين المعركتين ضاع غير أننا نضيف إلى ذلك أن الشعراء لم يكونوا قد ارتبطوا بقتيبة ارتباطا وثيقا، لجدة صلتهم به، وضعف معرفتهم له.

وفي سنة تسعين تمرد نيزك طخارستان، وحرض ملوك بلخ، ومرو الروذ، والطالقان، والفارياب، والجوزجان على العصيان فأخذهم قتيبة بالعنف والشدة، حتى استرد بلادهم، وتوغل في طخارستان يتعقب نيزك إلى أن دخل شعب خلم المهلك، فمزق الجنود القائمين على حراسته، وطوق نيزك بالقلعة التي احتمى بها. وحينما عجز عن اقتحامها فاوضه في الصلح، فلما خرج إليه فتك به، وبابن أخيه، وبصول ولي عهد طخارستان فاستاء بعض العرب، واتهموا قتيبة بالمكر، ووجد ثابت قطنة شاعر الأزد المتعصب الموتور في ذلك فرصة، لكي ينصحه نصحا مشوبا بالطعن عليه، والهجاء له. إذ دعاه أن لا يركن إلى الخديعة في حروبه، لأنه إذا استفاد منها مرة فقد تهلكه مرة أخرى، فإنه يقول له٢:

لا تحسبن الغدر حزما فربما ... ترقت به الأقدام يوما فزلت

أما المغيرة بن حبناء التميمي فمدح قتيبة مدحا معجبا، لقمعه ثورة نيزك وقتله إياه، واسترسل يصفه بالعظمة والبطولة في النائبات والأهوال، وأنه الذائد عن ديار الإسلام المختار لكل خطب، المفرج لكل شدة، الذخر لكل كارثة، العدة لكل


١ الطبري ٨: ١١٩٨.
٢ الطبري ٨: ١٢٢٥، وابن الأثير ٤: ٥٥٢.

<<  <   >  >>