للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وما تلبست بالأمر الذي وقعوا ... به علي ولا دنست أطماري١

ولا عصيت إماما كان طاعته ... حقا علي ولا قارفت من عار

ومع إقراره بفضل نصر عليه، وتعريضه بالمجشر لأنه أساء إليه فإن استعلاءه نفسه لم يغب عن خاطره، لأن عقدة الشخصية الكاملة ينميها شعوره بالأصل الأزدي الكريم، والعز اليمني القديم، تملكت على فكره وتحكمت بخياله ولذلك فإنها لم تكن تقفز إلى خلده وهو يشيد بالمهالبة، ويفاخر بهم، بل كانت تقفز إليه وهو يمدح أنصار المضريين، ويعترف بجميلهم عليه، كأنما لم يكن يريد أن يطأطئ رأسه لهم، ولا أن يكون أقل منهم، حتى وهو يشكر لهم ما قدموا إليه من خير، وما أسبغوا عليه من عطف.

وهذا خالد بن المعارك العبدي المعروف بابن عرس يقلد نصرا مدحة أخرى، إجلالا له، وتقديره لبلائه، فقد ناضل خاقان وجيشه عن الجنيد بن عبد الرحمن المري نضالا شديدا حتى وزعهم عنه، وكفهم عن سائر الجنود العرب الذين كانوا معه، ونجاهم من الدمار، فاستحق لهذا الموقف العظيم أن يلقب "بفتى نزار كلها" أو كما يقول٢:

يا نصر أنت فتى نزار كلها ... فلك المآثر والفعال الأرفع٣

فرجت عن كل القبائل كربة ... بالشعب حين تخاضعوا وتضعضعوا

يوم الجنيد إذ القنا متشاجر ... والنحر دام والخوافق تلمع٤

ما زلت ترميهم بنفس حرة ... حتى تفرج جمعهم وتصدعوا

فالناس كل بعدها عتقاؤكم ... ولك المكارم والمعالي أجمع


١ الأطمار: جمع طمر، وهو الثوب الخلق البالي.
٢ الطبري ٩: ١٥٥٤، وابن الأثير ٥: ١٧١.
٣ الفعال: اسم للحسن والقبيح من الأفعال، ولذلك يقال: فلان كريم الفعال، وفلان لئيم الفعال.
٤ الخوافق: السيوف.

<<  <   >  >>