للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إذا شاعر أمر الناس وانشقت العصا ... فإن لكيزا لا تريش ولا تبري١

ففند زياد أقواله، وألصق بالأزد كل العيوب التي ألصقها بعبد القيس، وغلا في تحقيره لهم، إذ ادعى أنه لا يعلم بوجودهم على وجه الأرض، وأنهم إن وجدوا، فهم قليلون منسيون لا يزيدون ولا يتكاثفون، بل يبقون ثابتين على قلتهم وضياعهم، وهم أيضا ليس لهم نسب يذكر، ولا أثر يعرف، ولا خير يعجب، بل لقد جعلهم لا يساوون نعلا من نعال عبيد عبد القيس. يقول٢:

نبئت أشقر تهجونا فقلت لهم ... ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا

لا يكثرون وإن طالت حياتهم ... ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا

قوم من الحسب الأدنى بمنزلة ... كالفقع بالقاع لا أصل ولا ورق٣

إن الأشاقر قد أضحوا بمنزلة ... لو يرهنون ببغلي عبدنا غلقوا٤

وعلى الرغم من أن زيادا ليس عربيا أصلا، وإنما هو مولى، فكانت أعجميته موطن ضعفه الذي وجه إليه المغيرة بن حبناء التميمي هجاءه، فأصابه في مقتله، وخفف من سلاطته وغطرسته، حين اختلفا وتهاجيا، كما قدمنا، فإن زيادا هو الذي استفاد في هجائه لكعب من فكرة العروبة والأصالة، إذ راح يعيب الأزد بأنهم موال، وأنهم أعجام، أسلموا، واستعربوا، واستلحقوا ببعض القبائل العربية ليعرفوا وينبه ذكرهم، يقول٥:

هل تسمع الأزد ما يقال لها ... في ساحة الدار أم بها صمم

إختتن القوم بعدما هرموا ... واستعربوا ضلة وهم عجم٦


١ لكيز: هو لكيز بن أقصى بن عبد القيس، وراش السهم: ركب عليه الريش.
٢ المصدر نفسه ص: ٢٨٨.
٣ الفقع: نوع من الكمأة يطلع من الأرض، فيظهر أبيض، وهو رديء سريع الفساد. والجيد ما حفر عنه واستخرج، ويشبه الرجل الذليل بالفقع.
٤ غلق الرهن: استحقه المرتهن، إذا لم يفك في الوقت المشروط.
٥ الأغاني "طبعة دار الكتب" ١٤: ٢٨٨.
٦ ضلة: حيرة.

<<  <   >  >>