للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والرسائل، ويرتكز في جانب آخر من جوانبه على حاضرهم الإسلامي المشرق، وعملهم الخير، فقد كانوا متشبثين بالدين، في مواقفهم من الدولة، متصلبين في انتصارهم للحق والعدل.

ويصح أن نحمل على هذا الوجه مقطوعة أخرى لمنقذ بن عبد الله القريعي التميمي قالها في ظلال الخلاف الأخير بين اليمنية والربعية، وبين المضرية، وهي تجري على هذا النحو١:

سائل ربيعة والأحياء من يمن ... عن حربنا إنهم قوم بنا خبر

ترى فوارس سعد غير ناكلة ... بيض الوجوه إذا ما اسودت الصور٢

فازوا بحظوتها عفوا وأحرزها ... منهم بهاليل والأخطار تبتدر٣

وكل أيامنا غرة مشهرة ... إذا تذوكرت الأيام والغرر

رامت ربيعة والأحياء من يمن ... أن يقهرونا فهم بالله ما قهروا

وحقا هو يفتخر بصلابة فرسان قومه، وإقدامهم في الحرب، وصبرهم على المكروه، وسبقهم غيرهم في المجد والشرف، ولكنه يبرز حقيقتهم، وفضلهم في أنفسهم، ومبادراتهم المستمرة إلى حماية العرب بخراسان. فقد يسرت لهم هذه الصفات الأصيلة إخماد كل الفتن التي أثارها اليمنية والربعية، والتي خططوا في كل فتنة منها لاستبعاد المضرية، ومكنتهم من الحفاظ على حريتهم، وحرية البقية الباقية من العرب. وهم في الفتنة الأخيرة لا يكافحون عن أنفسهم وقومهم، بل يكافحون كذلك ذبا عن الوالي الشرعي، ودعما لسيادة العرب التي أخذت تتعرض للانهيار منذ بداية الفتنة، ثم لم تلبث أن انقضت واندثرت بعد زمن قصير.

ولو أخذنا المقطوعة أخذا خاطفا دون أن نحيط بالظرف التاريخي الذي نظمت


١ معجم الشعراء ص: ٣٢٩.
٢ الناكل: الجبان الضعيف.
٣ البهاليل: جمع بهلول، وهو العزيز الجامع لكل خير، والأخطار: جمع خطر وهو السبق الذي يترامى عليه في التراهن. وبادر الخطر وابتدره غير إليه: عاجله.

<<  <   >  >>