للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فيه، لخفي علينا فهمها فهما دقيقا، ولقلنا إنه يستكبر فيها على اليمنية والربعية استكبارا ممقوتا، ويتنفخ عليهم تنفخا فارغا.

واستمع إلى نصر بن سيار يتمدح ببطولته في معركة الشعب تمدحا يقول فيه١:

إني نشأت وحسادي ذوو عدد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا

إن تحسدوني على حسن البلاء لكم ... يوما فمثل بلائي جر لي الحسدا

يأبى الإله الذي أعلى بقدرته ... كعبي عليكم وأعطى فوقكم عضدا٢

نرمي العدو بأفراس مكلمة ... حتى اتخذن على حسادهن يدا٣

من ذا الذي منكم في الشعب إذ وردوا ... لم يتخذ حومة الأثقال معتمدا

فما حفظتم من الله الوصاة ولا ... أنتم بصبر طلبتم حسن ما وعدا

ولا نهاكم عن التوثاب في عتب ... إلا العبيد بضرب يكسر العمدا

هلا شكرتم دفاعي عن جنيدكم ... وقع القنا وشهاب الحرب قد وقدا

وضربي الترك عنكم يوم فرقكم ... بالسيف في الشعب حتى جاوز السندا

فهو يجابه منافسيه الذين اهتضموا دوره الكبير في صد الترك الذين كادوا يفنون الجيش العربي، وهو يعتمد في مجابهته لهم على قتاله الباسل، حين انكسرت عزائم الجنود العرب، وولوا الأدبار إلى نسائهم وأمتعتهم، دون أن يردعهم عن الفرار من ساحة المعركة تفكير في مصيرهم، أو في مستقبل غيرهم، أو يرغبهم في الجهاد والاستشهاد عزة في الدنيا أو ثواب في الآخرة.

ولعل في الشواهد القليلة السابقة ما يبين كيف أن الشعراء العرب بخراسان اتجهوا بالفخر اتجاها جديدا، غيروا به مضمونه الجاهلي، لأنهم اعتدوا فيه اعتدادا


١ الطبري ٩: ١٥٤٦، ١٥٥٣، وابن الأثير ٥: ١٧٠.
٢ العضد: القوة، والمعين.
٣ المكلمة: المجروحة.
٤ السند: ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح.

<<  <   >  >>