للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حليما إذا ما الحلم كان مروءة ... وأجهل أحيانا إذا التمسوا جهلي

ومن هجائه ما كانت حوافزه شخصية خالصة، ترجع إلى اعتزازه بذاته، وإحساسه بأنه ينبغي أن يعظم ويكرم. ومن أجل ذلك فإنه هجا كل من تخلف عن الاحتفال به، وهجا بعض الشعراء الذين كانوا ينافسونه، والذين فازوا بالجوائز من دونه. ففي أخباره أنه اجتاز في بعض أسفاره بمدينة كان أميرها محمد بن مالك الهمذاني الخيواني، فنزل به، فلم يهتم له، ولا أمر له بقرى، ولا هيأ له ما يهيأ للضيف أن ينزل عليه، فلما رحل عنه، هجاه بأبيات وازن فيها بين بطون همدان من بكيل وخيوان، مادحا الأولين الذين لا ينتمي محمد إليهم، ومجرحا الأخيرين الذين تحدر منهم، كما عيره بأنه دعي في خوان على هوانهم، مغمور بينهم على وضاعتهم، وأنه حقير منبوذ، ولذلك ردته كندة حين خطب إليها، يقول١:

لو ان بكيلا هم قومه ... وكان أبوه أبا العاقب٢

لاكرمنا إذ مررنا به ... كرامة ذي الحسب الثاقب

ولكن خيوان هم قومه ... فبئس هم القوم للصاحب

وأنت سنيد بهم ملصق ... كما ألصقت رقعة الشاعب٣

وحسبك حسبك عند النثا ... بأفعال كندة من عائب٤

خطبت فجازوك لما خطبت ... جزاء يسار من الكاعب٥


١ الأغاني ١٤: ٢٧٣.
٢ العاقب: الذي يخلف سيدا.
٣ السنيد: الدعي. والشاعب: المصلح.
٤ النثا: الحديث عن الشخص بالشر والخير.
٥ الكاعب: الجارية. ويسار: عبد أسود دميم كان النساء إذا رأينه يضحكن منه: فكان يظن أنهن يضحكن من إعجابهن به. فدخل يوما على امرأة مولاه، فراودها عن نفسها، فقطعت أنفه أو مذاكيره. فضرب المثل به فقيل: لقي ما لاقى يسار الكواعب "انظر سرح العيون ص: ٢٧٠، ومجمع الأمثال ٢: ٢٤٨".

<<  <   >  >>